في تجارب «تويتر» تتكشف وجوه للغة تفاجئك وتجبرك على إعادة تصوراتك عن العلاقات اللغوية، وأقول العلاقات اللغوية قاصداً استعارة مفهوم العلاقات العامة، والناس في العلاقات العامة يظهرون بصور متنوعة، وواحدة من هذه الصور أن تصادف شخصاً لا تعرفه ولا يعرفك، وتجده فجأة يحادثك بخشونة وجفاء، وفي الغالب أننا في الشأن العام نبادر بالتخلص من هذه الأنواع بما يعنّ لنا من طرق، ولكن الأمر في «تويتر» مختلف، حيث يدخل عليك نماذج تظهر على لغتهم الخشونة والجفاف حتى لتظن أنهم قليلو الأدب أو أنهم من النوع الذي يستخدم «تويتر» للعبث، وقد حدثت لي تجربة سعيت فيها لتلطيف الأخذ والرد مع بعض عينات من ذلك النوع فاكتشفت أنهم تحولوا مع النقاش من الخشونة إلى اللين واللطف، ونجحت هذه التجربة في عدد من الحالات، وإن كنت تورطت في أحيان غير قليلة، حيت أتى تلطفي بنتائج انعكاسية ضدي وزادت الخشونة وسوء التلفظ، وهذه العينة يكفيها أن تتغافل عنها، تبعاً لمقولة أحمد بن حنبل (تسعة أعشار حسن الخلق في التغافل) أما في «تويتر» فلنا أن نقول إن التغافل هو الأعشار كلها، والتغافل يختلف عن التجاهل، فالأخير يصدر عن تعالٍ ذاتي مع ازدراء للطرف الآخر، ولكن التغافل هو ترك الموقف عند حد يمنع التصعيد، وينهي الاحتكاك عفة وتعففاً عن الدخول فيما يشين.
أما موضوعي عن اللغة بوصفها علاقات عامة، فهو أمر جربته في «تويتر» ونجح في عدد من الحالات بأن أتلطف بالرد فيتحسن الموقف الخشن وتسلك العبارات سمحة ورخية، ويكسب طرفا المحادثة ويتحولان معاً لنوع من الصداقة عبر الشاشة، مما يعني أن هناك بشراً فيهم مخازن خيرة، وإن تبدت الخشونة عليهم ابتداء، ولكنك إن نبشت عن المخازن العذبة تدفقت أمامك، ولا شك في أن رد الفعل يعطي مفعولاً يفوق الفعل نفسه في كثير من الأمور، ورد فعلنا على أي تصرف سوف يغير من حال التصرف نفسه تبعاً لنوعية رد فعلنا، وبما إن «تويتر» مضمار للتفاعل المباشر فإن كل أنواع الأفعال يمكننا امتحانها أو تغييرها عبر رد فعلنا عليها.