عندما فرحت بعودة الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان (طيَّب الله ثراه) من رحلة علاج في الخارج، تحرك إحساس إيمان الهاشمي العميق بالنغمات، وعبّرت عن فرحتها بلحن عزفته أوتار قلبها، فأنتجت مقطوعة موسيقية ساحرة بعنوان «بابا زايد»، وكان أداؤها محط أنظار الكثيرين.. أتقنت مزج الموسيقى الشرقية والغربية بتناغُم وثبتت أساسيات الموسيقى بفطرتها، فمزجت الآلات والألحان التي جعلتها أول إماراتية تعزف ألحانها خارج الدولة في معرض «إكسبو 2015» في إيطاليا. وتُجيد إيمان الهاشمي التلاعب بالكلمات وريشة الألوان، ففي رصيدها ثلاثة كتب بقلمها، وعلى لوحاتها البيضاء ترجمات رسمتها بريشتها. في هذا اللقاء مع إيمان يتعرف قرّاء «زهرة الخليج» إلى تلك الشخصية مُتعددة المواهب الفنية.
• كيف ومتى بدأ شغفك وحُبّك للموسيقى؟
- أظن أن الموسيقى هي التي أحبتني أولاً، لذلك هي التي بدأت بالتقرب إليّ منذ سنوات طفولتي المبكرة، حيث لم أكن أفْقَهُ شيئاً سوى الألحان، ولا أستطيع التفاهم إلّا من خلال الأنغام، فبتُّ أتحدث الموسيقى بطلاقة، دون الحاجة إلى دروس وفروض توجب عليّ، أو تفتح لي ذراعيها في طريق تَعلُّمها بشكل احترافي، حيث لم يكن يوجد آنذاك الكثير من الفرص التعليمية مثل التي نراها اليوم مع أبناء الجيل الجديد.

فرصة ذهبية

• كيف كان أول ظهور لك كملحنة؟
- في الحقيقة لم أكن أدرك أن ما أقوم به يُسمّى تلحيناً، وإنما كنت مقتنعة تماماً بأن ما أعزفه يمثلني جداً، ويعبّر عما يجول في خاطري حين تعجز الكلمات عن التعبير، فكنت كلما أقوم بصياغة لحنٍ ما تتكون جملة موسيقية مفيدة، وبعدها أضيف النقاط إلى الحروف بآلات أخرى فتتوضح الجملة المعنيّة، وفي النهاية أضع الحركات التشكيلية على كل كلمة فأصنع اللحن النهائي، وكأنه موضوع قصير يحكي بالتفصيل عما أوَدّ قوله بلا كلام، وهكذا عزفت في بداياتي في (المجمّع الثقافي) في نهاية التسعينات، ليكون أول ظهور إعلامي لي سنة 2001، عندما لحنت مقطوعة أهديتها إلى (بابا زايد) طيَّب الله ثراه، إثر عودته من عملية أجراها خارج الدولة، كما أن الأستاذ نصير شمة كان أول من أهداني فرصة ذهبية للعزف مع مجموعة من الموسيقيين الأتراك المحترفين بحفل في «بيت العود» سنة 2011.
• ما الدور الذي لعبته عائلتك لدعمك وتشجيعك؟
- في الحقيقة والداي وإخوتي وجميع أقاربي شجعوني كثيراً، وما زلت لا أستطيع أن أصف مشاعري كلما أسمع الوالد يُدندن أحد ألحاني، أو حين تطلب مني أمي الحبيبة أن أعزف لها إحدى مقطوعاتي.

مزيد من الحطب

• ما الصعوبات التي واجهتك خلال مسيرتك كملحنة؟
- لا أؤمن بالصعوبات أبداً، فأنا لا أراها وإن وجدت أمامي، حيث لا شيء يكبَح جماح الإنسان إلّا الإنسان نفسه، وفي كل الأحوال يجب التصدي للأحقاد والهجمات من الخلف بالتجاهل، فالنار لا تشتعل أكثر إلا عندما تتناول المزيد من الحطب.
• كيف يأتيك الإلهام لتأليف مقطوعة موسيقية؟
- هذا الأمر ليس بيدي أبداً، فقد يكون الإلهام وفقاً لموقف ما تعرضت له، أو تبعاً لإحساس لم أستطع التفوّه به بالكلمات، والغريب أنني أحياناً أكون نائمة بالأساس، فأحلم بلحن جميل لأستيقظ فوراً واللحن يدور في رأسي، لأسجّله سريعاً ولو حتى القليل مما أتذكر منه، ثم أعود للنوم.
• ما المقطوعات الموسيقية التي قدّمتها؟ وأي منها أقربها إلى قلبك؟
- قدّمت (صوت الصمت) الذي طوّرته إلى «أوبريت» مُصغّر، وكتبت كلماته باسم (عام زايد)، وكذلك مقطوعة «هذا الردي» التي طورتها ووضعت عليها كلماتي، إهداءً لسمو الشيخة فاطمة بنت مبارك «رئيسة الاتحاد النسائي العام»، الرئيس الأعلى لـ«مؤسسة التنمية الأسرية»، «رئيسة المجلس الأعلى للأمومة والطفولة» (أم الإمارات) حفظها الله، وأيضاً مقطوعة «الفالس الإماراتي»، «التضحية»، «قصة حُبّي»، «من أجلك فقط»، «النجاح»، «أمي» و«قمر عاشق»، والعديد من المقطوعات، وإنْ كانت «رحل مع الهاجس» هي الأقرب إلى قلبي، حيث إنها الوحيدة التي تتميّز بتناغُم آلة «العود» على وجه الخصوص مع آلة «البيانو» و«التشيللو».

أحب دائماً

• هل درست الموسيقى لتطوير مهاراتك، أو التحقت بمعاهد أو دورات؟
- لا لم أدرس الموسيقى كعلم. أولاً، لأنني أعتبرها هواية ووسيلة خاصة بي للحوار من دون لسان. وثانياً، لأن الله سبحانه وتعالى حبَاني بالكثير من النّعم، ومنها الرسم والشعر والكتابة بشكل عام، لذلك كان عليّ أن أختار موهبة واحدة لدراستها وصقلها بجدّية، فوجدتني أعد رسالة الماجستير في الإعلام، وفي حساباتي «الاجتماعية» أضع في البروفايل عبارة (أكتب غالباً.. أعزف أحياناً.. أرسم نادراً.. أحب دائماً)، فالواقع أنك لا يجب عليك أن تكون (ميسي أو رونالدو)، لكي يُسمح لك بلعب الكرة مثلاً! إلّا لو أردت الاحتراف وأخذ الأمر بجدّية، هنا يتوجب عليك الدراسة الصحيحة الكاملة، ومع ذلك أجدني أدرك بعض المبادئ وأفهم الأساسيات الأوّلية في علم الموسيقى.
•كيف تجدين مستقبل «الأوركسترا» في الإمارات؟
- دولة الإمارات أبدعت في جميع المجالات، ولا أرى أي صعوبة لا تُذلَّل أمام قوة عزيمتها، على أن يتم وضع هذه المهمة العظيمة والدقيقة جداً في أيدٍ أمينة، ومتخصصة بشكل كامل في هذا المجال.

رسم الكلمة

• كملحنة وكاتبة ورسامة، كيف تمزجين بين الموسيقى والكتابة والفن؟
- لستُ أنا من يحدد اللغة التي أعبّر فيها وقتما أريد وكيفما أريد، وإنما قد أجد صورة ترتسم أمام عيني فأرسمها، أو قد أسمع لحناً يُدندن في رأسي فأصوغه، أو قد تتدفق الكلمات كبحر من الحروف فيُنقذني القلم دائماً من الغرق، وفي جميع الأحوال أجيد الكتابة الموسيقية جداً، حيث أتبع موسيقى الحروف، وأستخدم الكلمات الرنّانة، وأيضاً يُعجبني جداً رسم الكلمة المناسبة عبر هندسة الكلمات بتقسيمها وتفكيكها وإعادة تفسير معانيها، وبهذا أمزج بين الموسيقى والكتابة والرسم في آنٍ واحد.

ألحاني فلذة كبدي

• ما الإنجاز الذي تفتخرين به؟
- الأبناء فلذة كبد الآباء، وألحاني قطعة من روحي، ولهذا لا أستطيع التفريق بينهم، فجميعهم أطفالي أنا، ولكن (أوبريت عام زايد) له وقعٌ وطني خاص على قلبي، حيث قمت بتسجيله وإنشاء فريق (إيمان الإمارات) لتأديته 100 مرة خلال هذا العام الغالي على قلوبنا، تيمّناً بمئوية المغفور له بإذن الله، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان (طيَّب الله ثراه)، وبالفعل لقد أنجزنا أكثر من 90 فعَاليّة إلى الآن، وفي انتظار إتمام الباقي قريباً إن شاء الله.
• ما الآلة الموسيقية المفضلة، ولماذا؟
- أحب «البيانو»، فهي الآلة الأم لجميع الآلات الموسيقية، ونظراً إلى حجمها وفخامة شكلها، تشعر وكأنها تحتضنك بين ذراعيها، حيث لا يمكن حمل «البيانو» على الظهر أو اليد، كـ«الجيتار»، «العود»، «الساكسفون»، «الناي» وغيرها، كما أنني أقوم بالتلحين على باقي الآلات من خلالها، وأنا بين ذراعيها المليئة بمعاني الأمومة الدافئة.
• كيف تستطيعين تنظيم وقتك بين التلحين والكتابة وممارسة باقي أنشطتك اليومية؟
- في عصر التكنولوجيا والسرعة، يعاني أغلب الناس الفراغ وهذا واقعٌ ملموس، ولذلك تنظيم الوقت أمرٌ جوهري للغاية، وبحسب ما تقوله أمي «اللي يبَا الصلاة ما تطوفه»، أي من يُريد أن يُصلّي فلن تضيع صلاته.
 
سلام داخلي

• ما الحلم الذي لا تزالين تطمحين إلى تحقيقه؟
- من كل قلبي أحلم بالسلام، وإن كنت أنعم بحمد الله وفضله ونعمه بسلام داخلي كبير، كما أنني أتمنّى أن ينشأ جيل يتعلق بالموسيقى منذ طفولته عوضاً عن بعض الألعاب القاتلة، كالحوت الأزرق أو غيرها من الألعاب الهدّامة للروح الإنسانية، فالموسيقى لغة لا تُجيد الحرب، فهي سلام والسلام حق من حقوق الإنسان، إذاً الموسيقى من حق الجميع، سواءً أكنت تجيدها أم لا.
• ما الرسالة التي توجّهينها إلى الفتيات الإماراتيات الراغبات في الانضمام إلى مجال الموسيقى بشكل عام؟
- أولاً، يجب تحديد الهدف أو الغرض، إمّا باعتبارها هواية أو احترافاً، ومن هنا يجب الانطلاق بقوّة، وفي الحالتين يجب التحلّي بالأخلاق الإنسانية والحفاظ على الفطرة السليمة، ولا بأس إن تم الانضمام بالاستماع فقط، فالتذوق الموسيقي فن مستقل بذاته، لأن المهم أن يتحدث الجميع لغة الموسيقى (العامية أو الفصحى).