يظُنّ كثيرون أن انتهاء التحصيل العلمي والحصول على درجة علمية مهما كانت بسيطة أو متقدمة هو اختتام لمرحلة التعليم، ولكن يغيب عن الأذهان أن التخرّج من الكلية أو الجامعة ليس إلا مدخلاً لفصل جديد في مدرسة أخرى أهم وأكبر، تلك الدروس فيها لحظية والاختبارات فيها يومية دون مهلة للإعداد والدراسة، وتمتد سنواتها الدراسية على مساحة عُمرنا، تلك هي مدرسة الحياة وتزداد دروسها أهمية مع كل محطة نجاح وإنجاز أو موقع وظيفي يحققه أي واحدٍ فينا.
مقالتي هذه خاطرة وُلدت بين سطور إحدى تغريدات صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي التي تحمل الوسم #علمتني_الحياة ، والتي تُطلّ علينا دائما برسائل تُذكرنا بمبادئ في القيادة والحياة، وهنا أتحدّث بالتحديد عن تغريدته التي تحدّث فيها عن أهمية تطور الدول بالتجديد والابتكار وحذّر أن من لا يتغير تتغير عليه الظروف، ولذا أؤمن أنه على الدول والأفراد البقاء يقظين ساعين دوماً للتجديد لأن دروس الحياة واختباراتها تأتي بصورة نجاح وإنجازات وتبدأ ساعة الاختبار تدق عندما نركن للنجاح أو الإنجاز.
الخطأ الجسيم الذي يقع به كثيرون أفراداً وحتى دولاً هو أنهم يتوقفون عن أخذ ملاحظاتهم ويديرون ظهورهم لدروس الحياة بحجة انشغالهم أو اعتقادهم أن موقعهم وإنجازهم كفيل بالحفاظ على ما وصلوا إليه، وكأنهم يضعون لافتة تقول (مُغلق للعمل) بدلاً من لافتة ترحيب بتجارب وتحديات جديدة. وهنا ليس المطلوب أن ندخل حالة ترقّب دائم أو ارتباك تؤدي لتوقفنا في مكاننا ولكن أن ننظر لكل يوم جديد بأنّه فرصة لنؤدي بشكل أفضل وأميز ومساحة للإنصات لدروس تُقدمها الحياة حولنا.
وعلى المستوى الشخصي تأتينا الدروس أحياناً بصورة أشخاص ومواقف، وهنا تكون قراءة الدرس بعدة طرق. فالبعض يقرأ الدرس من واقع الحالة الشعورية التي ترافق ما تعرض له ويفوته المعنى الحقيقي للتجربة، وآخر يترك الحالة الشعورية تمر ويدقق في الدوافع وما أحاط بالموقف ويدون الملاحظات درساً يبني عليه في مواقف مشابهة، وفي كلتا الحالتين يجب ألا يفقد الشخص توازنه ولكن يركّز على أهدافه الأهم ويراجع كل شيء آخر في ضوء ذلك.
الحياة لا تتوقف عند أحد ولن تُبطئ إن قررنا أن لا نتابع متغيراتها سواءاً كُنّا دولاً أو أفراداً ولابُد أن يكون شعارنا #علمتني_الحياة ، وهو ما يحضر لذهني مقولة أن «المرء لايزال عالماً حتى يظن أنه عَلِم فقد جَهِل»، فمهما تقدّم بالدول والأفراد العمر ومهما بلغوا من الإنجاز لابُد أن يكون الثابت الوحيد لديهم هو التغيير والتطوُّر. في الحياة دروس بالتأكيد لن تتسع لها سطوري لكنني أردتها محطة أُجدد فيها شغفنا جميعاً لتدوين ملاحظات دروس الحياة، وأن نعكسها تطويراً على حياتنا الشخصية وأدوارنا المختلفة في الحياة لتكون المحصلة تطوّر مجتمعاتنا وبالتالي دولنا. لذا عند درس الحياة التالي فلنحرص أن لا تكون لافتتنا تقرأ (مُغلق للعمل) بل منفتحين لاكتساب خبرات جديدة.