سمعنا عن الدب الأبيض والفهد الأسود والحمار الوحشي الأبيض والأسود، والقط الرمادي وصديقه الهر ذي لون المغرة المائل إلى البني المحمر. واستوقفنا منظر غزال بُني الوبر يعدو بخفة.. نجد أن الحيوانات اللبونة (الثديية) تتلون بتشكيلة كبيرة من الألوان، ترواح بين الأبيض والرمادي الباهت، فتصل إلى الأسود، مروراً بدرجات لا تعد ولا تحصى من البني ومشتقاته وأطيافه، من الباهت القريب من القهوة بحليب إلى الداكن القريب من القهوة «سادة». وهناك طبعاً توليفات من ألوان عدة، لثدييات محبّبة أو مخططة أو مرقطة أو منقطة.
على الرغم من ذلك التنوع اللوني، لا نجد حيواناً لبوناً أخضر اللون، بينما يشكل هذا لوناً لا يندر انتشاره بين الطيور، وما أكثر الببغاوات الخضر، مثلاً. ونراه سائداً أيضاً بين الحشرات، مثل الجرادة وفرس النبي، والزواحف، كالثعبان والحرباء، والبرمائيات كالضفدع. حتى الأسماك، ثمة أنواع عديدة منها بحراشف خضرة اللون.. وتلك مجرد أمثلة. أما بين الثدييات، فلا أثر للون الأخضر. ولَكان جميلاً ومبهراً أن نرى كلباً أخضر زيتونياً، أو أرنباً أخضر براقاً مثل لُبّ الفستق.
فلماذا «تعاف» الحيوانات اللبونة الخضار؟ أهو موقف «سياسي» من حضرة جنابها؟ أم أنها تعد الأخضر غير موائم لمقامها في عالم الحيوان ومنزلتها في سُلّم التصنيف الحيواني؟
كلا طبعاً. فالأسباب الحقيقية تتعلق بغريزة البقاء. وبيئة أي حيوان هي ما يحدد لون جلده أو ريشه أو وبره أو شعره أو حراشفه.. وأي ما يغطيه. قد يقول قائل: لكن الطبيعة مليئة بالخضار، من أشجار وأدغال وأعشاب، والدليل كثرة الحشرات والزواحف والبرمائيات والطيور التي تتلون بالأخضر لكي تتوارى عن أنظار مفترساتها. ذلك استنتاج صحيح، لكنه لا يناسب الثدييات.
فأولاً، لا تعيش الثدييات بين أغصان النباتات، إلا في حالات نادرة. الصيادون يدركون ذلك، فلا يبحثون عن طرائدهم المفضلة بين أوراق الشجر، إنما في الأرضيات والأزوار وحول الجذوع. ويكابدون أحياناً في تحديد مواقع الحيوانات المستهدفة لأن ألوانها، ببساطة، مقاربة لألوان الأرضيات والأزوار والجذوع.
وثانياً، خضار الطبيعة لا يدوم طوال العام، بالتالي ما كان خضار الحيوان اللبون لينفعه في التخفي سوى خلال موسم أو موسمين. فما الفائدة بالنسبة إلى الأرنب الفستقي البراق المتخيَّل أعلاه أن يفلت من الثعلب الماكر في الربيع والصيف، ثم يجده ابن آوى بسهولة في الخريف، حال سقوط الأوراق وتلون الطبيعة بالبرتقالي والبني؟ قطعاً، سيكون الأخضر الوهاج هيّن التمييز وقتها. وعليه، ليس جزافاً ألا توجد ثدييات خضر. فذلك استجابة لمتطلبات التخفي من الأعداء... لأطول وقت ممكن.