ينحاز الفنان التشكيلي الدكتور رضا عبد السلام إلى الفن، باعتباره الملاذ الآمن للنِّعم والمسرّات، تلك الكلمات التي عَنوَن بها معرضه المنعقد مؤخراً في «جاليري ضي»، الذي ضم أعمالاً فنية شكلت تجربة إبداعية مُتميّزة، تأسست على أساس قناعته بأن العمل الفني أو الإبداع عامّة هو سرّ جمال الوجود.

• انطلاقاً من كونك فناناً تشكيليّاً، إلى أي مدى تؤمن بقدرة اللوحة والعمل الفني في التأثير وخلق قناعات لدى المتلقّي؟

العمل الفني أو الإبداع عامّة سرّ جمال الوجود حتى نضيف إليها. وبالتالي هذه اللغة الحية لا بدّ أن يتعلمها الناس حتى يتوافر لهم قناعات خاصة في فهم ذواتهم والعالم المحيط. والكتابة بالنسبة إليّ جزءٌ مُكمّلٌ من العملية الإبداعية. وكمحترف، اعتدتُ هذا مع الوقت والخبرة التراكميّة، فما بالنا بالمتلقي العادي صاحب الثقافة المحدودة. لا نقدم الفن لذواتنا فقط ولكن للآخر، لكي نؤسس لحياة جديدة، اللوحة أو أي عمل فني له تأثير حيوي وفاعل في فكر الإنسان العادي في إطار التعميم.

• كيف تصف العلاقة بينك وبين لوحتك؟ 

هي حالة شديدة الخصوصية، اللوحة بالنسبة إليّ كالمرآة التي أرى نفسي فيها، لكن المرآة لا يمكن أن تعكس غير الشكل الحقيقي، أما إذا كانت مُقَعَّرة أو منْبَعجة فسوف تُحرّف الشكل. المرآة بالنسبة إليّ تجعلني أكتشف الماوراء وعالمي الحقيقي. لذا أمنح عملي مزيداً من صدق إحساسي ومشاعري، بالتالي يعطيني نتائج غير متوقعة.

ألف باء التشكيل

• هل الفكرة الأهم بالنسبة إليك تتمثل في اللوحة أم اللون؟

لا أفضّل عنصراً على آخر. لأن العمل الفني لا بد أن تحكمه قيَمه ومقومات نجاحه. فعندما أعمل وأجد طغيان اللون على المحتوى التشكيلي، أتوقف أو أعيد النظر إليه، ولست من الفنانين الذين يهتمون بالفكرة من الأساس، لأني كمَن يُغامر في فضاء بعالم مجهول لا أعرف بدايته من نهايته، أكتشف سحر الكون والأشياء. ومن هنا لا أفكر أولاً في الفكرة، لكن اللون يشكل لي ألف باء التشكيل، وهو الخبرة والتراكمات، ولكني أعمل على محور مُعيّن.

• ألا ترى أن مكانة اللوحة تراجعت في ظل الممارسات الفنية المعاصرة؟

مطلقاً، مثلما ظهرت الفوتوغرافيا في أواسط القرن التاسع عشر، انزعج التشكيليون لاعتقادهم بأن الكاميرا سوف تحل محل الرسم، والتي تستطيع التقاط لقطات فيها تفاصيل وتختصر الزمن، ولكنها ساعدت على خلق اتجاهات أخرى جديدة في الفن، مثل الانطباعية والتعبيرية والتجريبية وغيرها. بالتالي التقنيات الحديثة ساعدت الفنان على تقديم مجالات أخرى، مثل الـ«فيديو آرت»، والتصوير الضوئي، تلاها الـ«ديجتال آرت». وأصبح هناك فن الكاميرا المحمولة عن طريق الهواتف النقالة، التي أصبح يُقام لها معارض وبيناليّات. كل ذلك لم يؤثر في اللوحة المعلقة أو التمثال والآنية الخزفية، بل أثرَى المجال ودفع الفنانين إلى البحث عن التجديد والاستمراريّة.

تَقبُّل الحداثة

• أيّهما يُسعدك؟ أن يقف أمام لوحتك فنان ويناقشك فيها، أم مناقشة المتلقي العادي لك؟

المتلقّي العادي بالطبع.. أعتبر هذا جزءاً من رسالتي لأني مُعلّم، ولا أشعر بملل ولكن بمتعة. وهذه أحد الأسباب التي جعلتني أكتب، حيث أعنون معرضي وكتبي بشكل مُبسّط.. فالذي يهمّني رجل الشارع الذي أريد أن يأتي إلى معرضي ولا يخجل من التعبير عن رأيه. أريده أن يقرأ ويسأل، ثم أجيب عن أسئلته وأقوم بتحفيزة ليقول رأيه وانطباعاته.

النقد البنّاء

• هل نالت تجربتك الإبداعية الاحتفاء النقدي اللائق بها؟

للأسف الشديد لم يحدث ذلك، على الرغم من أنني أعرف نقّاد مصر كافة بمن فيهم الراحلون. لقد كتب عني بيكار ومختار الراحلين، ولكنهم رحلوا وأنا مستمر وأقدّم الجديد. وبالتالي معظم من كتبوا عني قدّموا كتابات ذات طابع إنشائي. ومن يستطيع أن يُعبّر عني وأشعر بقربه له هو الفنان نفسه. مثل الدكتور خالد حافظ، الذي كتب مقالة بليغة تقترب من لغتي. والناقدة فاطمة علي التي اجتهدت وأصابت في مقالها الأخير، وكذلك عز الدين نجيب. ولكن ما أقصده أني أمارس الكتابة النقدية من منطلق الفنان الناقد.. فعندما أتناول بالكتابة فناناً ما يكون في ذهني تجربته كاملةً، ومن ثم أستطيع صياغتها بشكل جيد. فالكتابة أمانة وأخلاص. لذا، لا بدّ من قراءة الفنان جيداً حتى نستطيع إنصافه.

فن التدوير

• كيف يتسنّى لك التعامُل مع أكثر من وسيط إبداعي؟

هذا يختلف من فنان إلى آخَر.. لا بد أن يحب ذلك. لدينا عدلي رزق الله الذي تخصص بألوان الـ«أكواريل» وبرع فيه، وحسن سليمان الذي برع في التصوير الزيتي، ولديه «أكواريلات» هائلة وتصوير بالفحم، ولكن هناك رمزي مصطفى وعبد السلام عيد وداوستاشي، وأنــا، مُغرَمون بإعادة تدوير الأشياء المستهلكة وتوظيفها. الوسائط والخامات لا أستطيع أن أنفصل عنها، لدي في المنزل «وَرْشَتي» الموجود فيها أدوات عديدة وأفضّل العمل بيدي، كما أنني أحتفظ بفوارغ الأشياء لإعادة استخدامها كوسيط في تحقيق نتائج جمالية قيّمة.