في حوار مع قارئة أرسلت لي تسألني، ماذا أخذت منك الحياة؟
وأعرف أن ما لدي من إجابة في بعدها الفلسفي، تتطلب حواراً فلسفياً، وليس كما أرادت القارئة شيئاً محدداً كما اعتقدت، وكما تأكدت من ذلك فيما بعد.
سنعود إلى ما أرادته فيما بعد، ولكن أرى بأن الحياة مكان، والمكان لا يمنح إلا في حدود قدرته، فالمكان المنزل يمنح الدفء، والشجرة أيضاً تمنح الظل فقط، والشارع يمنحنا المرور، هكذا تصبح الأمكنة لها أثرها المحدد لها، أما الحياة كذلك فهي غير متجسدة، فهي لا تمنح الظل ولا الدفء، هي مكان نعيش فيه، فمن يمنح أو يأخذ إذن؟
هناك مانحان وآخذان، أحدهما خارجي والآخر من ذواتنا، فالله العاطي وليس الآخذ، وما يأتي من الخارج هو من عطايا الأقدار، وما كان إيجابي دعوناه بالحظ، وما كان سلبي دعوناه بالقدر، وهما أمران منوطان بالله الكريم الواهب المعطي.
أما الحياة فتعتمد على ما نقوم به نحن، فمن يعمل ينل، وهو بذلك قد نال بجهده أو بعلمه، وإن ساعدته الحظوظ فهي أيضاً من العطاءات، ولكن ما يجب أن نتيقنه هو أن الاستعداد النفسي أمر مهم، فمن النادر أن تتوافق الحظوظ مع الخامل والكسول، وإن حدثت فإنها قد تحدث الأثر الإيجابي في حياته وبالنسبة إلى الآخرين المحيطين به، ولكن هذه الفئة لا تشكل بالمجتمع النسبة التي يمكن أن تذكر.
فلا يمكن الحديث عن أن الحياة أعطتني أو أن الحياة أخذت مني، فالحياة في الصين كما هي في الإمارات كما هي في أفريقيا أو الإسكيمو، ولكن كل إنسان يتعامل في حياته مع ما تحصل عليه من علم ومن ثقافة، ومن محيط يختلف باختلاف البيئة، ففي الوقت الذي ينشغل فيه الرجل في الإسكيمو بالبحث عن التدفئة، من خلال الألبسة والطعام، يكون الرجل في أدغال أفريقيا شبه عار من الألبسة، وهنا هي البيئة المحيطة وما يتعامل بها الإنسان، ولا نقول إن الحياة أعطت هذا البرد وهذا الحر، فيستطيع أن يذهب الأفريقي إلى الإسكيمو، وينشغل بالألبسة والأغذية التي تبعث على الدفء.
كان هذا حواري، وكل ما أرادته السائلة أن تقوله، هو أن الحياة أخذت منها والدها الذي توفي صغيراً، وأعطتها حبيباً عوضها فقد والدها، وترى بأن الحياة عادلة، ولم تدر بأنه هي من كان على استعداد أن ترى بالحبيب أباً لها، يعوضها عن غيابه، والحياة لم تأخذ أحداً، ولكن الله الذي يعطي الحياة، يتوقف عطاؤه بالموت، وهي من سنن الحياة ومن أقدار الله علينا وما يتوجب علينا هو أن نكون مستعدين للبدائل دائماً، فالفشل يمكن النجاح بعده، والخسارة يمكن الربح بعدها، وتستمر الحياة مكاناً مناسباً للعيش فيها.

شعر

إنَّا هُنا
نَحيا مَعَ البرقِ مع الرعدِ بأفقٍ يَعْتَكرْ
لا تقبلُ الصحوَ
ففي الصحوِ حديثُ الموتِ فاكَتُبْ يا مطرْ
أن الحياةَ أن ترى لا جامداً فيها
إذا مرَّ به تغيرُ أغمض عينيهِ لهُ ثُمَّ اعْتَذرْ
واكْتبْ لنا
أن الحياةَ نبضُ غصنٍ سايرَ الريحَ
فلا الريحُ انثنتْ عنَّا
ولا الغصنُ انكسرْ
وصيّةُ منكَ هو السِّرُ الذي فيكَ
لنا معهُ عِبرْ