صوت صفير وأزيز كان لكثيرين أعذب من كل الألحان، وكانت لحظات الترقب الممتدة بين بدايته ونهايته تفوق شوق المعجبين لفنان عشقوه ولكن لم يحظوا بفرصة لقائه من قبل، يمتد لأقل من دقيقة أو أكثر ومع نهايته تنفتح نافذة بين غرفتنا والعالم أجمع، ذاع صيته بين الناس في تسعينات القرن الماضي وهذه الأيام أطفأ شمعته الـ27، هو الأب الروحي للعالم الرقمي الذي نعيشه اليوم ومن دونه أجهزتنا الذكية ليست سوى قطع من الزجاج والمعدن، ويعمل هذه الأيام على مدار الساعة بصمت لكن آثاره علَت على أي صوت.
كلّنا تابع ذكرى ميلاده مطلع أغسطس، ورغم أن صوت طريقة اتصاله التي ذكرتها في البداية أصبحت من التراث وقد لا يميزها إلّا جيل زمن (لوّل) أو زمن الطيبين، إلا أنني أتحدّث عن اختراع شبكة الإنترنت أو World Wide Web الذي جعل العالم قرية صغيرة وغيّر أسلوب حياة البشرية أكثر من أي اختراع آخر في العصر الحديث.
ما استوقفني وجعلني أكتب سطوري هذه هو أن غالبية ما قرأته في المناسبة، وخاصة في وسائل الاتصال الاجتماعي، كان سرداً لما أحدثته الإنترنت في عالمنا وتغزّل بما حققه غيرنا عبرها، ولكننا توقفنا عن البحث في الفرص التي تحملها الإنترنت، خاصة أننا أضعنا في المنطقة عصر الفرص الماسية لظهور الإنترنت ونظرنا لها بعين الريبة وانشغل كثيرون بالتحذير من سوء استخدامها وأثرها على الأجيال، بدلاً من تزويد الأجيال بأدوات استثمارها وتحويلها لفرص، وهو ما بدأ يتغير مؤخراً وأفرز قصص نجاح مثل سوق دوت كوم ونحوها من مشاريع روّاد الأعمال العرب.
تزامن ذكرى الإنترنت مع بلوغ القيمة السوقية لشركة أبل تريليون دولار كأول شركة في التاريخ يعتبر مصادفة لا تقدّر بثمن بنظري، ورداً قاطعاً على من يطرحون السؤال التقليدي: هل لا زال في الإنترنت فرص كتلك في بداياتها؟ ورغم عظمة اختراع الهواتف الذكية مثل الآيفون وأجهزة أبل وما أحدثته في صناعة الاتصالات، إلا أن هذه الاختراعات لم تكن ما هي عليه اليوم لولا وجود الإنترنت. وأستبدل السؤال بآخر من عندي: هل ستخرج من منطقتنا شركات تكرر نجاحات أبل وغيرها؟ وكيف نوظّف الجيل الجديد من الإنترنت في بناء المستقبل الذي نريد؟
بالنسبة إلى ذكرى شبكة الإنترنت هي ذكرى تغيير صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي لمعنى ودور الإنترنت في المنطقة العربية والعالم بإطلاق الحكومة الإلكترونية التي وصلنا بها اليوم لحكومة ذكية وحكومة المستقبل. وتكمن فرصة الإنترنت الجديدة لدينا بالبناء على ما بدأته الإمارات بالتركيز على تقنيات الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء والبيانات بتطبيقاتها والبلوك تشين، ومبادرات مثل مليون مبرمج عربي التي ستمكن الجيل الجديد من تحقيق قصص نجاح وإنجازات لم تشهدها المنطقة والعالم من قبل.
قد يكون اتصالنا بالإنترنت لم يعد يتطلب صفير المودم ولحظات الترقّب والدعاء أن يكون الاتصال سريعاً، إلا أننا ندخل العام الثامن والعشرين لولادة الإنترنت وهي تحمل فرصاً أكبر وأهم من أي فترة مضت، وكلّي ثقة بأن ما ضيعناه في البدايات سنكسبه من الآن فصاعداً شريطة أن يتخذ كلّ من تأخّر حتى هذه اللحظة خطوات استراتيجية لاستثمار التقنيات وبناء اقتصاد المعرفة وتلبية متطلبات الثورة الصناعية الرابعة.