في طريق الحياة يحدث أن يتقابل الشاب مع فتاة أحلامه، وعندما يتأكد من رغبته في استكمال حياته معها يتقدم إليها طالباً يدها للزواج، لكن ماذا لو قابلت الفتاة في مجتمعنا الشرقي فارس أحلامها؟ فهل يمكن أن تقوم بالدور نفسه، ويكون لديها ما يكفي من الشجاعة لتطلب منه أن يتقدم للزواج منها، أم تَحُول التقاليد والأعراف الاجتماعية دون ذلك؟ على الرغم من أن أم المؤمنين السيدة خديجة «رضي الله عنها»، عرضت على النبي محمد (صلّى الله عليه وسلّم) الزواج منها.

«زهرة الخليج» استطلعت آراء مجموعتين من الشارع المصري، وسألتهما عن رأيهما في أن تعرض الفتاة على الشاب الزواج بها متى وجدت فيه شخصاً مناسباً، وكانت المجموعة الأولى ذكورية احتوت على ثلاث شرائح: طلبة جامعيّون، وخرّيجون، وآباء. والمجموعة الثانية احتوت أيضاً على ثلاث شرائح: طالبات جامعيات وخرّيجات وأمهات، وعلى الرغم من أن عدداً كبيراً من الفتيات رفضن فكرة أن تتقدم الفتاة لطلب يد الشاب، إلا أن الأغلبيّة الساحقة منهن رحّبن بفكرة التلميح، أمّا الشباب فتباينت آراؤهم بين مؤيّد للفكرة، ورافض لها، على اعتبار أن العادات والتقاليد لا تقبلها، أما الأغلبية من الأمهات والآباء فقد رفضوا الفكرة، واعتبروها مُهينة للفتاة وفرصة لتلاعُب الشاب بها، وإن كان معظمهم يؤيّدون فكرة التلميح أو وجود من يلعب دور الوسيط، مثل وليّ الأمر أو شخص موثوق به.

بين الرفض والتلميح

بدايةً، يقول عصام شعبان (محام): «لكل مجتمع ثقافته وعاداته وتقاليده، وكان يحدث الزواج في الماضي في العصر العثماني أوالتركي بين العائلتين، ولا يؤخَذ رأي العروس ولا ترى عريسها إلّا ليلة الزفاف فقط، ثم تطور المجتمع وأصبح هناك «الخاطبة» التي كانت تقوم بدور الوسيط بين العائلات الكبرى، وظهر ما يُعرف بعد ذلك بزواج الصالونات، ثم مع تطور الحياة وخروج الفتاة إلى الدراسة والعمل، أصبحنا نسمع عن قصص حُب بين الفتاة والشاب في الجامعة أو مُحيط العمل، وهذا تطورٌ آخر، وعلى الرغم من ذلك لا تزال الفتاة في مجتمعاتنا الشرقية يغلب عليها الحياء، ونادراً جداً أن نرى البنت تطلب يد الشاب للزواج، أو أن تقوم بدقّ الجرس ليفتح لها الباب.
ويرى شعبان أن من يفعلن ذلك هنّ من بعض طبقات الـ«هاي كلاس» أو بنات الأثرياء، وهي قد تطلب ذلك من والدها ليقوم بتلك الخطوة، ومن الصعب أن يوافق المجتمع على أن تتقدم البنت للشاب أو تقوم بدق الجرس ليُفتح لها طالبة يد الرجل، ولكن التلميح موجود بصوره المباشرة وغير المباشرة ويقبله المجتمع».
أمّا شريف الكشكي (موظف)، فيقول: «من الصعب أن يتقبّل المجتمع أن تقوم الفتاة بقرع الجرس ليفتح الباب، ففي الأغلب قد يمنعها الحياء من أن تفعل ذلك، وقد لا يتقبّله المجتمع الشرقي».
وترفض فاطمة السيد (موظفة) فكرة أن تتقدم الفتاة للشاب، لأن الشاب في هذه الحالة سيأخذ فكرة سيئة عن هذه الفتاة، وربما يرفض أن يتقدم لها بعد ذلك، وسيقول عنها في مُحيط العمل أو السكن أو المكان الذي يجمعهما إنها هي التي تقدمت إليه لطلب يده، وحتى ولو قبل الزواج منها أو خطبها سيقوم بإهانتها عند حدوث أي مشكلة بينهما، وسيُذكّرها أنها هي التي سعت إلى الزواج منه».
وترفض أيضاً منّة الله عبد الرحمن أن تتقدم لأي شاب أو تقوم بالتلميح له، لأنه «من الطبيعي أن يتقدم الشاب للفتاة، فهو الذي يُبدي إعجابه بالفتاة ثم يتقدم لها، وهي قد تُعحب به أو ترفضه بعد ذلك».
ويرفض عمرو الشاعر الفكرة، ويرى أيضاً «أن العُرف والمجتمع يرفضانها، فالطبيعة الشرقية للفتاة في مجتمعاتنا لا تقبَل أن تتقدم للشاب، لأنها لو رفضت ربما تفقد الثقه بنفسها بعد ذلك، وترى في نفسها أنها إنسانة غير مرغوب فيها من قبل الشباب».

رفضٌ مُطلَق

أن تَتقدّم الفتاة للشاب، فكرة يرفضها محمد رجب، (خرّيج جامعي حديث) ويقول: «أنا شخصياً لو وجدت في هذه الفتاة المواصفات التي أريدها من ثقافة ودين وعائلة وجمال بالتأكيد لن أرفضها، ولكن قد يُصيبني الغرور بعد ذلك، وقد لا أنسى أنها هي التي طلبت مني الزواج».
أمّا إسراء فخر الدين (طالبة)، فإنها تتفق معه في الرأي، لأنها ترفض فكرة أن تتقدم الفتاة للشاب إطلاقاً. ويُشاركها الرأي نفسه زميلها شريف الكشكي، لكنه لا يُمانع في أن تقوم الفتاة بالتلميح.

مؤيدون للفكرة

وعكس هذا الرأي، تُرحّب آية أحمد (طالبة جامعية) بهذه الفكرة، ولا ترى مشكلة حتى ولو رفضها الشاب بعد ذلك.
أمّا عمرو أحمد، فإنه يرحّب بالفكرة ولا يُمانع، خصوصاً لو كانت الفتاة ثريّة أو جميلة ومن عائلة محترمة وكبيرة، ويرى عمرو في ذلك فرصة جيّدة للشاب.
«نحن نُطالب بالمساوة بين الرجل والمرأة في المجالات كافة».. يقول إبراهيم محمد محمود، وهذا موجود في الدستور والقانون، وتُطالب به جمعيات حقوق الإنسان والجمعيات النسائية. لذلك، فمن حق المرأة أن تتقدم للرجل.
محمد صالح (طالب جامعي) يقول: «القاعدة والأصل أن يتقدم الشاب للفتاة، وهذا هو العُرف السائد منذ ظهور المجتمعات، إلّا أن هناك بعض الاستثناءات، كأن تكون البنت ثريّة ومن عائلة كبيرة، فقد تشعر بأن الشاب مُحرَج في التكلم معها، فتقوم الفتاة بتشجيعه على التقدم لخطبتها».
ويرى عبد الله السعيد «أن الفتاة أصبحت تمتلك الجرأة في عصرنا، فلم تعد تخجل من التقدم للشاب». وفي رأيه أن ذلك أفضل بكثير من أن «تخرج الفتاة مع الولد وتلتقي مع مَن تُعجَب به في غفلة من أهلها».

مجتمع ذكوري

يقول أستاذ ورئيس قسم علم النفس في كلية الآداب في جامعة القاهرة، الدكتور شوقي إبراهيم: «لا أنصح الفتاة في مجتمعاتنا العربية بأن تفعل ذلك، ويتمثّل الحل في أنه بدلاً من طلب الفتاة يد الشاب، أن تكتسب مهارات وتوجّهات نفسية وعقلية تشجّع الشاب على أن يطلب يدها، بدلاً من أن تتقدم له بنفسها».
ويطالب د.شوقي بعمل استطلاع رأي من عشرة آلاف حالة من كل الدول العربية، ثم الخروج ببيانات صحيحة وإحصائية، فربماً يكون فكر مجتمعاتنا العربية قد تغيّر عن الماضي، وأصبح يرى أنه لا مشكلة من أن تطلب الفتاة يد الشاب. ويضيف: «ربما تكون هذه الفتاة مُتقوقعة على نفسها، لذلك أنصحها بالعمل إن كانت لا تعمل، وإن لم تجد فمن الممكن أن تعمل في أي مكان يطلب خدمات تطوعية، وأن تشترك إن أمكن في أي نادٍ اجتماعي».
تقول أستاذة مجالات الخدمة الاجتماعية في جامعة حلوان، الدكتورة نسرين جاد الله: «نحن نحيا في مجتمع ذكوري، والرجل فيه هو كل شيء، لذلك يجب احترام المجتمع الذي نحيا فيه، وهو لا يتقبّل فكرة أن تقوم الفتاة بطلب يد الرجل، لأنه هو الذي يجب عليه القيام بمثل هذه الخطوة، ثم تقبله الفتاة بعد ذلك أو ترفضه. وتخشى د.جاد الله من أن «يستغل الشاب هذا الطلب ولا يقوم بطلب يد الفتاة من أسرتها، ويكون الحل في شخص موثوق به، مثل الأب أو الأم أو أحد الأقارب أو أصدقاء العمل والذي يلعب دور الوسيط، ثم يكون التعارُف بعد ذلك في إطار مشروع حسب تقاليدنا وأعرافنا».