في أحد اللقاءات في تلفزيون أبوظبي، كان ضيف اللقاء المؤلف والسيناريست أسامة أنور عكاشة، وقد أصبح اسمه مهماً في الدراما العربية بعد النجاح الكبير لمسلسل «ليالي الحلمية»، وكان اسمه كافياً على أي مسلسل ليكفل له النجاح في تلك الفترة.
وقد أشار في إجابته عن سؤال مصادر الإلهام للمؤلف، إلى أن البيئة هي المصدر الأول للكاتب، وكانت لي مداخلة للحوار معه، فأشرت إلى مخالفتي لهذا الرأي، حيث إن الثقافة هي مصدر إلهام الكاتب، أما البيئة فلها نصيب أقل في مسيرته، فمن كتب عن فلسطين من الكتاب والشعراء العرب لم يزر أغلبهم فلسطين، ومن الشواهد الأخرى أن مفردة النهر على سبيل المثال ليست من بيئة الخليج، ولكننا جميعاً كتبناها، وكتبنا بالقطار وبالغابات وغيرها الكثير مما لم يكن في بيئتناً.
وهناك تجارب تمر على الإنسان، منهم من يستفيد منها سواء على صعيد الكتابة، أم على صعيد المعرفة في الحياة، ومنهم من لم يتعلم شيئاً من تجاربه بكل أسف، وهذه التجارب في مجملها لا تشكل شخصية الكاتب، فقد تمر تجارب قاسية على إنسان، ولكنها لا تكسره ويبقى بشخصيته المرحة التي فطر عليها، وهناك من تكون شخصيته انطوائية وانعزالية، على الرغم من كثرة التجارب التي مرت به في الحياة، وكثرة أسفاره أيضاً، ولكن شخصيته بقيت كما هي انعزالية.
قد يستفيد الكاتب من التجارب بشكل أكبر، من الإنسان العادي غير المعني بالتوثيق، ولكن هذه التجارب بمجملها لا تشكل شخصيته، وفي هذا الصدد قرأت عن الفنان البريطاني الكوميدي، ألفريد هوثون هيل، والذي لا يعرفه الناس إلا في برنامجه الشهير «بني هيل شو»، وقد لا يعرفه الكثيرون من الجيل الحالي، لأنه قدم برامجه في فترة الستينات، وما أفرحني أنني وجدت تمثاله في «متحف الشمع» في لندن على مدخل مجسمات الفنانين، مبتسماً كعادته باعثاً البهجة في نفس من يراه.
وما قرأته عن الفنان أنه كان عازباً ويأكل في مطعم معين، ويجلس على طاولة معينة لا يغيرها ولا يخالط أحداً، وكان عصبياً ولا يقبل أن يقترب منه أحد بأي صفة كان، معجباً أو صحافياً، لقد كان عكس ما يقدمه من طرافة، في شخصية محبوبة عند الناس، وأعرف أن التمثيل شيء آخر، ولكن التمثيل من التجارب، ولكننا نرى أن التجارب لم تكسبه شيئاً يخالف شخصيته المنفرة.
إن تجارب الإنسان هي من تسكن داخله، أما شخصيته فهي ما تظهر للناس، وهو أمر لا يتحكم فيه الإنسان، وهذا ينطبق على الأطفال في البيت الواحد، تجد منهم الطريف ومنهم النكدي ومنهم الحنون ومنهم القاسي وجميعهم نهلوا من المنهل ذاته.

شعر

من ذا أعادكِ نيراناً على ورقي
إن ظننتُ المدى من رحلةِ الغرقِ
من ذا وأحسبُ أن الليلَ يعرفني
ما عادَ يطريكِ مهما فاضَ بالأرقِ
في هدأة الليلِ في أوراقهِ عبثت
يداكِ حتى تهاوى كلُّ منغلقِ
فكم كتبتُ إلى عينيكِ أدعيةً
حين استغاثت عيوني حمرةَ الشفقِ
قد قلتُ في البعدِ واستهونتُ حرقته
حتى غدا الحزنُ في الأفراحِ منطلقي
قد كان قربكِ مجداً كنتُ أحصده
وصارَ بعدكِ مجداً زادَ من ألقي