يُعتبر التوافُق الزوجي من أهم المؤشرات التي تحدد مستقبل العلاقة الزوجية ومدى استقرارها، فالزواج الناجح يتّسم بمجموعة من الصفات التي يلتزم بها الشريكان لاجتياز أي عقبات أو مشكلات قد تواجه علاقتهما، وفي هذا الإطار، نشر موقع Lifehack تقريراً تضمّن بعض الصفات التي يجب أن يبحث عنها المقبلون على الزواج في شريك حياتهم خلال فترة التعارف أو الخطبة، منها: وجود الاحترام بين الطرفين طيلة الوقت، وألّا يكون الشريك ذا طبيعة انتقاديّة أو دائم الشكوى، ومن الصفات المطلوبة لجوء الشريك إلى الطرق الودّية في حَلّ النزاعات على اعتبارها اختلافاً في وجهات النظر، والسعي إلى مواجهة أي موقف سلبي بالحوار وعدم تجاهله. وشدّد التقرير المنشور على أن الكذب والإهمال المتعمّد، واستخدام السخرية من الشريك بالكلام الصريح أو الإيماءات السلبية، هي أمور مرفوضة كلياً ويجب عدم القبول بها، إذ لا يمكن أن تتغيّر هذه الطبَاع بعد الزواج كما يتصوّر البعض.
في هذا التحقيق نسلّط الضوء على طريقة اكتشاف مدى احتمالية نجاح الزواج من عدمه في بدايات التعارف، والرأي حول المؤشرات التي يمكن أن تحدّد نجاح أو فشل العلاقة مستقبلاً.

تجارب من الواقع

هناك بعض التصرفات تظهر وبوضوح قبل الزواج إمكانية نجاحه، كما تقول رانيا أبو طويلة (متزوجة)، وتوضح قائلة: «تدل تلك الأفعال على شخصية كل شريك، ولا يجب غضّ النظر عنها وتَخيُّل أنها ستتغير بعد الزواج، فالطرف الذي يحرص على الاهتمام وإشعار الطرف الآخر بالرضا ويخصص أوقاتاً للتحدث في المستقبل، ووضع خطة لما يُريدان تحقيقه معاً في هذا الزواج، يُعتبر من أكثر الشخصيات التي تُقدّس الحياة الزوجية وتعرف واجباتها بعد الزواج». وتشير رانيا إلى «أهمية الصدق والوضوح.. فإذا كان موجوداً بين الطرفين، يكون هذا من أكثر المؤشرات الدالّة على أن العلاقة ستُكلّل بالنجاح والتفاهم، ويُكتَب للعلاقة الزوجية الاستمرار».
من جهتها، تعرّفت ريما إلى زوجها الحالي في النادي الرياضي قبل الزواج، وعن تجربتها تقول: «من أهم أسرار الزواج الناجح، أن يكون الزوجان صديقين يثقان ببعضهما البعض ويحترمان الفروق الفردية فيما بينهما، وهذا ما حدث معي. فالبداية كانت مجرد معرفة بحكم الاهتمامات المشتركة عندما تعارفنا في إحدى الحصص الرياضية، ثم تحولت العلاقة إلى صداقة وممارسة أنشطة أخرى خارج النادي، وعندما شعرنا بأننا نستطيع العيش معاً قرّرنا الارتباط». وتُكمل ريما: «إن الصداقة القوية بين الرجل والمرأة، القائمة على المحبة والألفة ونكران الذات والإيثار، ووجود الكثير من الأمور التي يقومان بها معاً، دليل ومؤشر واضح على نجاح ينتظرهما بعد الزواج».

لكل مجتمع غاية

يشير استشاري العلاقات الزوجية والنفسية الدكتور أحمد السريوي، إلى اختلاف غايات الزواج باختلاف المجتمعات، ويوضح: «إذا كان الارتباط يتم بين الأقارب، فهذا المجتمع الذي ينشأ فيه هذا النوع من الزواج يهتم بالإنجاب، وبالتالي يكون الزواج قائماً على أساس إنجاب أطفال يحملون اسم العائلة. فالزوجة التي لا تُنجب تكون سبباً كفيلاً بطلاقها في هذا المجتمع. أما بالنسبة إلى المجتمعات المتطورة، فتَتعدّد فيها غايات الزواج، فتكون بهدف الاستقلال والاستقرار وتأسيس أسرة خاصة، والإنجاب وتحقيق الرفقة، السعادة، الحب، الاعتماد على النفس، الأمن الاقتصادي، العلاقة الجنسية المشروعة، تبادل العواطف واستبعاد مشاعر الوحدة، وبالتالي لا يكون الإنجاب فقط هدفها الأساسي. ومن هنا تظهر أهمية البحث عن التوافق لتحقيق تلك الأهداف، أو الحد الأدنى منها».
ويُضيف الدكتور السريوي قائلاً: «مع أن اختيار الزوج أو الزوجة مسؤولية الطرفين، إلا أنه يتأثر بعوامل اجتماعية وثقافية ودينية.. فعلى سبيل المثال، يؤثر الوالدان في اختيار شريك الحياة، كما تُسهم وسائل الإعلام في تحديد معايير الزوج والزوجة التي يتبناها الشباب ويعتمدون عليها في الاختيار، والتي تكون مُضللة في أغلب الحالات».‏
وفي الحديث عن التوافُق الزوجي واعتباره مؤشراً من مؤشرات السعادة الزوجية وضمان استمرارها، يقول الدكتور السريوي: «إن التوافق هنا لا يعني السعادة، فالسعادة مختلفة عن مفهوم التوافق، فقد نجد الزوجين متوافقين وكل منهما يقوم بواجباته تجاه الآخر واتجاه أسرته، إلّا أنه لا يعيش في سعادة، ولكن إذا وجدت أسرة سعيدة فهذا يعني حتماً أنها أسرة مُتوافقة».

عوامل التوافق بين الزوجين

عن أهم الأمور التي يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار عند اتخاذ قرار الزواج، تقول الاختصاصية النفسية الإكلينيكية، الدكتورة ميس السمهوري: «الزواج في السن المناسبة حيث يكون الزوجان قد أكملا تعليمهما، واستقرّا في العمل، والاحترام والتقدير والتفاهم المتبادل، والثقة والتسامُح والتضحية المتبادلة، والنضج الاجتماعي، ويتضمّن فهم الذات وتقبّلها، والاستقلال الذاتي والنجاح في القيام بدور المسؤولية تجاه كل منهما للآخر، إضافة إلى تكافؤ شخصيتا الزوجين وتكامُلهما من حيث الصحة النفسية والجسمية». وتضيف د.السمهوري: «إن نجاح أي علاقة تتأثر بقدرة كل طرف قبل الزواج على معرفة الآخر وهدفه من الارتباط، والمسايَرة والتباحُث في دور كل منهما وما له وما عليه، سواءً أكان ذلك في تربية الأولاد أم الإنفاق على الأسرة، وغير ذلك من التفاصيل». وتتابع مشيرة إلى «أن الاختيار الخاطئ في الزواج منذ البداية، هو السبب وراء حالات كثيرة من الانفصال».

أثَر عدم التوافُق على الأبناء

وتؤكد د.ميس السمهوري مُختتمة بالقول: «إن عدم التوافق بين الزوجين والخلافات الحادة التي تنشأ بينهما، يُعتبران بدايةً لمشكلات اجتماعية وتربوية كثيرة، تُعوق تنشئة الأبناء التنشئة الطبيعية التي تحقق لهم الصحة النفسية السليمة، وتجعلهم قادرين على القيام بدورهم في الحياة، وكلما كانت الأسرة مستقرة من حيث أسلوب التعامل بين الأبوين والأبناء، والاحترام المتبادل والتفاهم والمشاركة والتعاون والوفاء، ظهر ذلك جليّاً على تنشئة أبنائهما تنشئة سليمة نفسياً واجتماعياً، وبالتالي يؤدي إلى تكوين جيل صحيّ يكون مؤهّلاً لتأسيس أسَر متّزنة مَبْنيّة على اختيارات سليمة».