النقود هي بمثابة وثائق تاريخية، تحمل في النقوش والعبارات المضروبة عليها حضارات شعوب العصور الغابرة وحياتها السياسية والاقتصادية ومعتقداتها.

بعد أن كان الناس في المجتمعات القديمة يتداولون بأنياب الفيلة والفراء وجلود الحيوانات والزواحف والطيور والأسماك والدواجن، حلت المعادن كأول وسيط في عمليات البيع والشراء، وقد استعملت على شكل سبائك، إلى أن تدخلت السلطات ووحدت الأوزان والمعايير وصادقت عليها بعلامة رسمية وحولتها إلى قطع. ومن سكان آسيا الوسطى، مروراً بالإغريق والفرس والبابليين وغيرهم، وصولاً إلى مطلع الإسلام، كان للنقد مراحل وتطورات تلونت بتاريخ الحقب التي مر بها، وحفظ جوانب مهمة من حياة المجتمعات التي سادت يومذاك.. في هذا التحقيق نسلط الضوء على النقود الإسلامية عبر التاريخ.

العملة النقدية في التاريخ

كان الليديون، وهم سكان آسيا الوسطى، أول من ضرب نقوداً معدنية خاصة بهم في عهد الملك كرويسيوس (561 - 546 ق م) قارون عند العرب، حيث كانت النقود تسك بواسطة أقراص مطبوعة في المعدن وتوضع فوق سندان وفوقها قالب محفور بالرسم المطلوب، ويضرب بوساطة مطرقة فيطبع الرسم على القرص. ثم جاء الإغريق أو سكان بحر إيجة ليحذوا حذوهم في سك النقود، فسكان حوض البحر الأبيض المتوسط وبلاد فارس والهند. أما في مصر فيعود تاريخ النقود إلى حوالي ألف عام قبل الميلاد، وفي الشرق الأدنى قام البابليون بوضع أول نظام نقدي متطور وعنهم نقل اليونان والرومان. وقد لقيت العملة المعدنية رواجاً لسهولة حملها وقابليتها للتجزئة والحفظ.

النقود بدل المقايضة:

بدأ تاريخ سك النقود المعدنية من الذهب والفضة منذ أكثر من 3 آلاف عام، بهدف استخدامها في التبادل التجاري مكان «المقايضة» التي كانت تقوم على تبادل السلع مباشرة. وفي البداية كانت تنقش عليها أسماء الذين يملكونها إلى أن تدخلت الدولة ووضعت عليها ختمها الرسمي وأعطتها الصفة القانونية وحمتها من التزييف. أما المسلمون فتعاملوا بالدراهم والدنانير البيزنطية والفارسية حتى بعد أن جاء فرض الزكاة، من دون أن يطرأ على هذه النقود أي تعديل في شكلها الفني أو في مضمون الكتابات الموجودة عليها.

بداية النقود الإسلامية:

النقود والعملات الإسلامية هي جزء من التراث الثقافي الإسلامي، تكشف عن جوانب مهمة في حياة المجتمع التي سادت فيه، وتحدد زمن الممالك والأقطار ونوع الحكم فيها وقد مرت بمراحل كثيرة من التطور والتغيير منذ مطلع الإسلام حتى يومنا هذا. ففي عهد الخليفة عمر بن الخطاب (634-644 م) وعلى الرغم من انشغال المسلمين حينها بالفتوحات، أرادوا إبراز شخصيتهم المستقلة على النقود فأضافوا إلى طابعها الأصلي كلمات عربية مثل «الحمد لله» و«محمد رسول الله» وأسماء الخلفاء الراشدين، ولكن أكبر تغيير حدث في النقود الإسلامية حصل في عهد الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان جراء خلاف بينه وبين ملك الروم، دفعه إلى استبدال النقد الرومي بنقد إسلامي، وأصبح النقد يُضرب في بلاد الإسلام وتسك النقود يدوياً، إلى أن ظهرت الآلة التي تُسك بها القطع المستديرة عام 1870 في اليابان لتنتقل منها إلى بلدان العالم.

مراحل تطور النقود الإسلامية:

كانت النقود التي سكها الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان ثلاثة أنواع وهي:
- الدينار وأجزاؤه كالنصف والثلث وكانت من الذهب.
- والدرهم من الفضة.
- والفلس من النحاس.
وبعد أن كانت هذه النقود متأثرة في أوزانها بالإضافة إلى أسمائها بالنقود البيزنطية والساسانية، حل محل الصور على الوجه والظهر نصوص دينية مع ذكر مكان السك وتاريخه واسم الوالي ولقبه.
مع بداية عهد العباسيين اختلف الدينار العباسي عن باقي الدنانير بالعبارة التي جاءت في الدائرة الوسطى في الوجه الخلفي للدينار، والتي نقش فيها «محمد رسول الله عليه السلام»، كما قام عدد من الخلفاء العباسيين بوضع صورته على العملة مثل المتوكل والمقتدر.
في العصر الطولوني، حكمت الأسرة الطولونية بلاد مصر ما يقرب الأربعين عاماً وفي هذا العهد سك دينار ذهبي جاء في وسطه عبارة «لا إله إلا الله وحده لا شريك له».
وتميزت في العهد الفاطمي صعوبة قراءة نقوش النقود ووفرة أطواقها. وجاءت الكتابات في الطوق الأول «لا إله إلا الله محمد رسول الله»، وفي الطوق الثاني «محمد خير المرسلين عليّ أفضل الوصيين»، وفي الطوق الثالث «محمد رسول الله أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله»، وبالإضافة إلى عدد من الأطواق في الخلف ما جعل تلك النقوش صعبة القراءة.
أما في عهد السلاجقة فكانت الكتابة التي نُقشت على الدينار السلجوقي أول كتابة نقشت بخط الثلث، بعكس سائر النقود التي نقشت بالخط الكوفي، إلا أن العملة الأيوبية هي التي اختلفت كثيراً عن غيرها من العملات الإسلامية، حيث لم يعد يكتب عليها شهادة التوحيد.
وفي عهد العثمانيين كتبت النقود الذهبية والفضية والمعدنية بالخط الثلث سهل القراءة، وظلت الليرات العثمانية الذهبية قيد التعامل لفترة طويلة من الزمن، وتميزت بأنها تحمل على الوجه «الطغراء»، وهي عبارة عن كتابة خاصة تضم شعار السلطان العثماني بشكل زخرفي معين، وتحمل في الخلف عبارة «عزّ نصره ضرب في القسطنطينية»، مع ذكر تاريخ الضرب. واستمر التطور في سك العملات الإسلامية، حتى بداية عصر الطباعة التي ساعدت على ظهور النقود الورقية الحديثة التي نتداولها في يومنا هذا.