منذ قرون، يقدم الدانتيل رمزاً للأناقة النسوية، ويضفي مسحة خاصة وجمالية أنثوية إلى الأزياء النسائية، أخرجتها من القوالب الباهتة القديمة.
تاريخياً، تعود إرهاصات الدانتيل إلى عام 1407، حيث ولدت حرفة تصنيعه بشكل مبسط بالمغزل في قرية «پوي أن ?وليه» (في وسط فرنسا). وتم تطوير 21 أسلوباً مختلفاً، في سبع محافظات فرنسية. وبعد قرنين، في عهد الملك لويس الـ13، أصبح الدانتيل رمزاً للثراء والجاه في أرجاء أوروبا نظراً لغلائه.
لكن، لماذا «تخصصت» لاحقاً مدينة كاليه في تصنيع الدانتيل، فلُقبت «عاصمته» العالمية؟
من الطريف القول إن على كاليه أن «تشكر» دائرة الضرائب الإنجليزية، الـمُدينة لها بتطور صناعة الدانتيل فيها منذ عام 1815.
ففي مطلع القرن الـ19، استنبط الإنجليزي جون لي?رز John Leavers، بمساعدة ابنه وابن أخيه، نَولاً (ماكينة غزل) «ثورياً»، مستنداً إلى تقنيات سابقة. وشكل «نول لي?رز»، مرحلة مهمة في طريق تطوير صناعة الدانتيل، الذي يستدعي إنتاجه المرور بـ20 مرحلة. وذلك ما يفسر ثمنه المرتفع، والأهمية الاقتصادية الكبرى التي أولاها الأوروبيون على أعلى المستويات، وقتها، لاختراعات تطوير الدانتيل. هكذا، سنَّت إنجلترا قانوناً يحكم بعقوبة الإعدام جريمة تهريب أنوال «لي?رز» إلى خارج المملكة المتحدة.
لكن مشاكل المخترع مع إدارة الضرائب البريطانية هي التي دعته، في عام 1815، إلى الهرب خلسة، برفقة أسرته واختراعه، إلى كاليه Calais، الحاضرة الفرنسية الأقرب إلى إنجلترا لكونها تطل على الجانب الآخر من مضيق دو?ر. لذا تشكل محط أنظار كثيرين لأسباب مختلفة: المهربون والمغامرون والسباحون والمهاجرون غير الشرعيين الآملون ببلوغ «الفردوس» البريطاني. ولا يزال آلاف البريطانيين يزورون كاليه يومياً للتبضع، حيث أسعار معظم السلع أرخص.
في أي حال، وقت وصل جون لي?رز، لم تكن لكاليه أي صناعة غزل ونسيج. إلا أن حلول «اللاجئ الضريبي» البريطاني ضيفاً عليها شكل انطلاقة نمو خاطف لصناعة الدانتيل وأنسجة أخرى.
ثم أسهم الفرنسي جوزيف ماري جاكار J-M Jacquard إسهاماً حاسماً في تطوير صناعة الدانتيل. ففي عام 1830، استنبط طريقة ذكية «لبرمجة» ماكينة الغزل ببطاقات مخرمة، كتلك المستعملة في التلكس. فدُمج الاختراعان، وتمّ إعمال نول لي?رز بطريقة جاكار، ببرنامج يوجّه إبر النول أوتوماتيكياً نحو بكرة الخيوط اللازمة. أفضى ذلك إلى تسريع إنتاج الدانتيل بشكل كبير، بالتالي خفض كلفته وجعله متاحاً لقطاعات كبيرة من الناس.
وينبغي عدم خلط الدانتيل مع أنسجة مشابهة لمجرد كونها مخرمة. ومنها «الشِّف المطرز» (tulle brodé)، و«الصنارة» (كروشيه crochet)، والحياكة (تريكو)، و«المشبَّك» (فيليه filet)، والنسيج المخرم الغليظ المسمى «مكرمة» (macramé بالفرنسية والإنجليزية، أخذاً عن العربية). فتلك الأنسجة، وإن كانت مخرمة، تنتج بطرق صناعية بحتة، بخلاف الدانتيل، الذي ينتج بحرفية معقدة، وبشغف وضمير مهني عالي.