لا يزال البعض يذكر ذلك الحدث العجيب، يوم اختار الاتحاد الإيطالي لكرة القدم أوّل امرأة حكماً في دوري الدرجة الممتازة. يُقال إنَّ الصحافة الرياضيّة كانت آنذاك أكثر اهتماماً بجاذبيّة الأنثى الراكضة في الملعب، من اهتمامها بالأخطاء التحكيميّة. تماماً كالفوضى التي أحدثتها مرّة شرطية في الجزائر، وهي تقوم بتنظيم السير في أحد تقاطعات شوارع العاصمة، إذ لجمالها، ظلَّ سائقو السيَّارات يلفّون حول المستديرة التي تُوجّه فيها السير. أمّا اليوم، ففي سابقة فريدة من نوعها أصبحت الحسناء البرازيلية فرناندا كولومبو المتربعة على عرش أجمل الحكام النساء في العالم، أول امرأة في التاريخ تكون حَكماً في مباريات نهايات كأس العالم بمونديال روسيا.
نُزول الحسناوات إلى الملعب، هو آخر مكيدة عثرت عليها النساء، لبثّ البلبلة في ملاعب كرة القدم، حيثُ منذ الأزل يُلاحق الرجال الكرة، وتُلاحق النساء بالنظر، الأرجل المفتولة التي تتقاذفها، دون أن يتنبه أحد لغبن إناث لا يَفهمنَ ما يجده هؤلاء الرجال المتراكضون المتدافعون، خلف قطعة جلد كُروية، من السحر والإثارة أكثر ممَّا يجدونه في أنثى.
قبل ذلك، كانت النساء وقد فشلن في استعادة رجالهنّ من هذه الضرّة، قررن أن ينتقمن لأُنوثتهن بمُشاركة الرجل في هذا الهوس الكرويّ، لا حباً في الكرة، بل بسبب الأجساد الرجالية المنحوتة في كل لياقتها البدنية، والتي بذريعة المؤانسة، تجلس النساء للتفرّج عليها بجوار أزواج ضامري العضلات، منتفخي البطون، منتفضين كالدببة، هاتفين لأهداف هم عاجزون عن تسديدها مهما صغُر الملعب واتسع المرمى.
وصلت الحال بالنساء، أن أصبحت لهنّ أيضاً أهواء كروية، بعد أن اقتنعن بأنَّ أجمل القصائد تقُولها أقدام رجاليّة راكضة بقوة حصان، وأجساد تقفز في السماء لتتلقَّف الكرة بأحضانها.
إنهنَّ يبحثنَ عن رجل يسعى إليهن كما يسعى رونالدو إلى الكرة «مِكرٍّ، مِفرٍّ، مقبلٍ، مُدبرٍ معاً» كما يقول امرؤ القيس في وصف حصانه، وعن عاشق يُصيب القلب بسهمه منذ الضربة الأولى بدقة ميسي في تصويب أهدافه. يردن رجلاً يُحاورهن بفصاحة قدمي زيدان، لا بمذلّة ابن زيدون أمام ولَّادة، ويُعادل سعره في سوق الرياضة والإعلانات، سعر طائرة «إيرباص»، من نوع «A321»، ويتقاضى سنوياً ما يُعادل أجر عامل فرنسي عادي خلال ستة آلاف سنة من العمل، وعندما يُصاب في رُكبته، تعيشُ فرنسا، حسب صحافتها، مُعلقة لأيَّام إلى فخذه ريثما يشفىَ، لكون مجدها الكروي رهن رجليه ذواتي الأصول الجزائريّة.
بمن تحلم النساء؟ حسب استطلاعات الرأي: بلاعبي الكرة. إنهنّ يجدنهم أكثر جاذبية من الممثلين والمغنين، حتى إنَّ 50 في المئة من الفتيات الإيطاليات يحلمن بامتلاك «العصابة»، التي يضعها قائد المُنتخب الإيطالي باولو مالديني على جبينه أثناء المُباراة. النعوت الفحوليّة التي أطلقها كل بلد على فريقه في «حديقة حيوانات المونديال» ليست بريئة أيضاً في تمجيدها للذكورة، حيث تتناحر الأسود الأفريقيّة والديوك الفرنسيّة والأحصنة السوداء البرازيليّة والتنين الآسيوي. لعلّ لها علاقة بشغف النساء المفاجئ بالأقدام، حدَّ مُزايدتهن على الرجال تعصبّاً كروياً. فبعد تاريخ طويل من موت مشجعي كرة القدم فرحاً أو قهراً بسبب فوز أو خسارة فريقهم المفضَّل، أصبح لنا نحن النساء أيضاً شهيداتنا في ساحة كرة القدم. كتلك الفتاة المصرية التي فقدت توازنها وسقطت من الشرفة، وهي منهمكة في توجيه الصحن اللَّاقط، قصد متابعة إحدى المُباريات، وصار لنا ضحايانا أيضاً كتلك السيدة التي طلقها زوجها إثر احتفالها بفوز فريقها في كأس الخليج العربي، بينما الزوج من مشجعّي نادٍ آخر، وأغاظه أنها راحت تُطلق الزغاريد في المنزل، بعد أن ارتدت ملابس تحمل شعار فريقها، فاتصل الرجل بإخوتها لنقلها إلى منزل والدها.
الخوف، أن يكون أبوها وإخوتها من مشجعيّ فريق زوجها، فتتقاذفها أقدام رجال القبيلة، كرة قدم من بيت إلى آخر، وتنتهي حسب قول أمّي: «شردودة.. لا مطلقة ولا مردودة». ربما كان على المرأة اليوم أن تضمن لها ملجأً، قبل أن تعلن انحيازها لفريق بالذات لكرة القدم.