في كل لحظة قائمة، هناك شيء قبلها وهناك بالطبع بعدها، وهي اللحظة التي نعيشها، وهناك ما بعدها وهو ما يسمى المستقبل، ولا بد من وجود علاقة بين القبل والبعد، القبل الجميل والبعد الأجمل، أو القبل الحزين والبعد السعيد، وهذا يتعلق بالحالة التي يتم الحديث عنها.
وفي كل حالات الحب العظيمة تختلف عند المحب المعاني،  وعلاقته بالأشياء من حوله، فقد عرفنا قصة قيس وليلى، ولكننا لم نعرف ماذا كان قيس قبلها، وما علاقته بالقمر والسهر، فمن المؤكد أن علاقته وعلاقة كل عاشق تختلف بين ما قبل الحب وما بعده.
ومما أذكر قبلها كانت للعطر فائدة واحدة، وكان لأسماء العطور المعنى الذي لا يعنيني كثيراً. أما بعدها فقط أصبح انتقاء العطر الذي تحبه، والماركة التي أعجبتها، قبلها اختياراتي كثيرة في الحياة، فيما يتعلق بالسفر والدول التي أحب، بعدها تقلصت اختياراتي وصارت الدول التي تحبها أحبها، والمدن التي تكرهها دون أن أجد سبباً كرهتها.
قبلها كانت المقاهي تتشابه في القهوة والسكر، بعدها صارت بعض المقاهي هي الوحيدة التي تتقن صنع القهوة بالسكر، حتى الكراسي والطاولات بعدها لا تتشابه، وأسماء المقاهي اختصرناه إلى عدد محدد، والمطاعم لم تعد تتشابه كما كانت قبلها، هناك مطاعم بعدها متميزة بجلستها وطعامها وخدمتها، لأنها مرت بها ذات عشاء.
قبلها كان السهر على  علاقة مباشرة بغياب النعاس أو لمتابعة فيلم. أما بعدها فصار السهر مكافأة لي، وصارت متعة السهر أجمل ولها معنى كبير في حياتي، وصارت كتابة القصيدة أمراً قدرياً تحدده الحالة التي أمر بها، وبعدها صار الشعر خادماً طائعاً كثير الحضور، متى أردته قال ومتى أمرته أطاع ومتى نهيته توقف، كان الشعر يأمرني فأكتب، وصارت تأمره فيقول.
قبلها ديوان شعر واحد يكفي لأبقى خالداً، قصيدة واحدة تكفي لتتناقلها وسائل التواصل الاجتماعي، بعدها صارت دواوين الشعر لا تستر حاجتي للخلود، فتساندها الرواية والكتب النقدية لحاجتي في تغطية حالتي الشعرية والفنية، قبلها أغنية واحدة تكفي لأسهر نصف هذا الليل مترنماً فيها، ومردداً الكلمات والموسيقى مع المغني أو المغنية، كان عبد الحليم حافظ يغنيني عن الجميع، بعدها أصبحت أم كلثوم بكل تاريخها الخالد، وفيروز بكل عطائها الرائع، وبمن سار في إثرهم، كل هؤلاء أسمعهم ولا أكتفي.
قبلها لم تكن علاقتي بالشوارع على اتفاق وانسجام، وبعدها أصبحت لبعض الشوارع دلالة خاصة، ولألوان البيت فيها حراك عاطفي حميم ولصمتها مذاق الفرادة والبيان، فكأنها لغة أسايرها بالمرور اليومي، ولا أمل من المسير فيها، قد كنت شيئاً قبلها، وأصبحت أشياء من بعدها.

شعر

قبلها كانت أحاديثُ الهوى
عارياتٍ من تفاصيلِ الحياه
كانت الضحكةُ شيئاً عابراً
صارتْ البسمةُ للروحِ مياه
قبلها الأيام في سحنتها
عابساتٍ والأسى في مشتهاه
بعدها الأيامُ تُضفي فرحاً
والهنا يرفلُ سعداً في سماه
قبلها أكتبُ شعراً لا أرى
حالتي فيها وروحي في هواه
بعدها يزرعُ حرفي مجده
بين عينيها ويرقى بالجباه