هناك عند عَتبة مكانَيْن يتحدّد شكل أيامنا ومستوى رضانا عن حياتنا، ولأننا ندخل ونخرج من هذين العالمَيْن برضانا، فنحن نختار كيف يبدو وقتنا فيهما سعيداً أم تعيساً، العالمان هما حياتنا الشخصية وحياتنا العملية، ولأننا نُمضي في العمل الجزء الأكبر من يومنا عادةً، فمستوى الرضى الوظيفي يلقي بظلاله على شعورنا العام.
أعْلَم أنّ السعادة أوالرّضَى مسألة نسبيّة تتوقف على نظرة الشخص إلى الأمور، لكن الأمر الأهم هو ألّا نترك الظروف ترسم شكل حياتنا، عمليةً كانت أم خاصة. وفي سطوري هذه أريد التركيز على السعادة الوظيفية، وهي مسؤولية من شقّين، الشق الأوّل منها يقع على عاتق المؤسسة بتوفير البيئة الوظيفية التي تُحفّز الاندماج الوظيفي وتجعل الموظف يُقْبل على العمل بإيجابية، والشق الثاني يقع على عاتق الموظف نفسه الذي يجب أن يسعى باستمرار إلى استثمار الجوانب الإيجابية، وتغليبها على أي أمور قد تَحدّ من طموحه أو سعادته الوظيفية.
لستُ هنا لأنافس خُبراء الموارد البشرية في تحليلهم لمحفّزات ومُحدّدات الإنتاجية، ولكن لأشاركهم مُعادلة خاصة وضعتها لنفسي في مراحل مبكرة من حياتي العملية، وطوّرتها مع مُرور الوقت لتُناسب تنوّع الأدوار المهنية التي أقوم بها. مُتغيّرات المعادلة بسيطة: العنصر الأوّل فيها أن أعرف دوري والمطلوب منّي في مكان العمل بوضوح وبطريقة أعمَق من مُجرّد وصف المهام، والثاني أن أعرف حقوقي وواجباتي وأقوم بكل منها على أفضل وجه، والثالث الأهم هو أن أتقن إدارة العلاقات المهنيّة الإنسانية في مكان العمل.
هذه العناصر الثلاثة في المعادلة يجب ألّا نتركها لأحد، بل نسعى إلى تحقيقها منذ اليوم الأوّل في مكان العمل وخاصة العنصرين الأوّل والثاني، أمّا العنصر الثالث فينضج مع تَقدُّم سنوات الخدمة ومدى النّضج الاجتماعي للشخص. ونتيجة المعادلة هي أننا لا نترك سعادتنا للظروف ونتعذّر بها، ولكن نبني سعادتنا من خلال الابتكار بشكل يومي في الطريقة التي نؤدي بها عملنا، وأن نبحث عن أسباب السرور في طريقة أداء عملنا مهما كانت بسيطة، لتصبح هي الجانب الأكبر من أيامنا.
وفي الوقت ذاته، على المؤسسات أن تعتني بالشقّ الخاص بها لتحقيق السعادة الوظيفية، وألّا تنظر إليها كنوع من الكماليّات، وتنشغل في البحث عن استشارات زيادة الاندماج الوظيفي والإنتاجية بينما الحلّ بين يديها. مُهمٌّ جداً وجود إطار مؤسَّسي خاص بالموارد البشرية، لكن المعادلة الأهم تَتمثّل في قدرة القيادة المؤسَّسية على التحفيز والتنقيب عن الأفضل داخل فريق العمل، واستخدام تنقيب مُتعمّد، لأنّ ما يُحقّقه مِن فَهِم قُدرات ومُميّزات الفريق، يكشف عن كنوز تنعكس على الموظف والمؤسسة في الوقت ذاته.
بيوت الناس مختلفة في الأشكال والأحجام والإمكانات، لأنّ كلّ واحد يعيش وفق إمكاناته، لكن هناك بيوتاً صغيرة في حجمها تَضجّ سعادةً وفرحاً، ليس لتَميُّز أثاثها ولكن لأن ساكنيها أجادوا صنع السعادة في ظل المُتاح، وكذلك مكان العمل تختلف ظروفه من مؤسسة إلى أخرى، ولا نستطيع في الأغلب التحكّم في ظروفها، لكننا نستطيع أن نصنع لنا خريطة طريق ومَساراً يومياً، يجعلنا ندخُل العمل ونخرُج منه سُعداء، ليس لأن كل شيء مثالياً، ولكن لأننا نجحنا في صنع وصْفة سعادة خاصة بنا.