لم تكتفِ بعشق المركز الأول إنما سعت إليه بإرادة وعزيمة من فولاذ، وحلقت نحو حلمها بالتعليم والمثابرة والقفز على أي حاجز قد تواجهه فتاة طموح، هي الكابتن طيّار فاطمة المنصوري، من أوائل الفتيات الإماراتيات اللاتي التحقن بالسلك العسكري، كما تسعى إلى تمثيل الدولة في السلك الدبلوماسي، وليس ذلك ببعيد عن فاطمة التي لا تؤمن بالمستحيل.

عن خطواتها الأولى في عالم الطيران وتحديداً انضمامها إلى كلية خليفة الجوية، تقول فاطمة المنصوري «إنها وضعت نصب عينيها الدخول إلى تلك الكلية المرموقة، من باب الشعور بالانتماء إلى الوطن وضرورة التضحية والبذل من أجله»، مؤكدةً «أن المسؤولية الملقاة على عاتق العسكري، سواء أكان رجلاً أم امرأة، تختلف بالتأكيد عن مسؤولية الشخص المدني».

وتضيف المنصوري: «تعلمت بأن النجاح والتفوق والتميّز لا تأتي مُصادفة، بل نتاج عمل وجُهد ومُثابرة، كما أن الصبر والعزيمة وتشجيع قادتي وزملائي، ساعدتني على تجاوز الصعوبات ومختلف العقبات».

وعن مفاتيح نجاحها في مشوارها في عالم الطيران الذي حققت فيه السّبَق، توضح الكابتن طيّار فاطمة قائلة: «قيادتنا الرشيدة تسعى دوماً إلى المركز الأول وجعلتنا دائماً نسعى إليه، لأن الرقم واحد يَسري في دمنا».

وتعود المنصوري إلى ذكرياتها في بطولة العين للاستعراضات الجوية، وتقول: «بدأت علاقتي بالبطولة خلال دراستي في الكلية الجوّية، وعبر مشاركتي في فعالياتها أتيحت لي فرص كثيرة، من بينها الطيران مع الفرق المشاركة في الاستعراضات، كما خضت تجربة صعود طائرة «إيلوشن 76»، وهي مخصصة لتدريب روّاد الفضاء على الطيران، وتمرينهم على ظروف انعدام الجاذبية».

بدايات فاطمة تمتد إلى مرحلة الطفولة، وعنها تُحدّثنا قائلة: «منذ نُعومة أظافري حلمت بالالتحاق في الحياة العسكرية، وقد تلقّيت دعماً معنوياً كبيراً من سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك «رئيسة الاتحاد النسائي العام»، «الرئيس الأعلى لمؤسسة التنمية الأسرية»، «رئيسة المجلس الأعلى للأمومة والطفولة» (أم الإمارات)، كما دعمني صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، بشكل خاص، ووجّهني إلى الطريق السليم، حيث التحقت وأنا في الـ13 من عمري بمدرسة «خولة بنت الأزور العسكرية»، ومنذ تلك المرحلة وحياتي مليئة بالمثابرة والمنجزات، لكنها في الوقت ذاته لا تخلو من التحديات والصعاب، ودائماً أقول إنّ التحديات مفتاح النجاح».

وتُتابع قائلة: «دائماً أنظر إلى السماء، وأرى نفسي رائدة فضاء، ويوماً ما سوف أذهب إلى هناك.. فالإمارات دخلت مجال الفضاء عبر إنجاز وكالة الإمارات للفضاء، ومن خلالها سوف أحقق حلمي. فأنا أؤمن بأن الإنجازات الكبيرة تبدأ بحلم، وأحلم بأن أكون أوّل رائدة فضاء عربية».

وعن موقف أسرتها من انضمامها إلى الحياة العسكرية، تكشف المنصوري عن أنها كانت تواجه معارضة في البداية، لكنها مُعارضة تنبَع من الخوف عليها من خوض تجربة تحتاج إلى قوة إرادة كبيرة، وقوة جسدية وفكرية، «لقد اجتزت تلك الفترة بنجاح، وما دمنا نعرف أن التحديات موجودة يومياً، علينا أن نتجاوزها بالطاقة الإيجابية التي نواجهها بها». 

 بعيداً عن الطيران لفاطمة اهتمامات وأنشطة في العمل التطوعي والبيئي، وعنها توضح قائلة: «نحن أبناء وبنات الإمارات، نُمارس العمل الخيري الذي غرَسهُ فينا الوالد القائد المغفور له، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان (طيَّب الله ثراه)، فأنا متطوّعة مع جمعية «تكاتف» في مبادرات عديدة، منها الإنسانية والتراثية والبيئية والمجتمعية، وذلك لنشر الوعي المجتمعي عبر تلك المبادرات، كما تم تعييني سفيرة للبيئة لدى «هيئة البيئة» في أبوظبي، لكي أمثل الإمارات التي تُولي البيئة أهمية قصوى، ومن مهامي أن أكون مُدركة لما تواجه البيئة من مخاطر، ومدى أهمية التنمية المستدامة، وحق العيش على كوكب نظيف».

على الرغم من الانشغالات المتعددة والمسؤوليات التي تتولاها المنصوري، إلّا أنها تبقى حريصة على ممارسة هواياتها، حيث تقول: «هواياتي ومُغامراتي لها حصّة من وقتي والوقت عندي مثل الحياة، ومن هواياتي الرسم، التصوير، القراءة، التجديف، الزراعة والقفز من الطائرة، وكوني طيّاراً أحب السفر لاكتشاف العالم، وأفضّل السفر إلى المدن التي لم أكتشفها، مثل القطب الشمالي والمدن الثلجية، لأرى الظواهر الكونيّة الرائعة، ولا شك في أن روح المغامرة هي الأهم بالنسبة إليّ في السفر، حيث اكتشف نفسي وأواجه مخاوفي».

بكل فخر تقول المنصوري، إن مُلهمتها هي والدتها التي تكون دائماً إلى جانبها، وهي مدرستها التي تخرجت منها «تعلمت منها المبادئ والأخلاق ومعاملة الناس معاملة حسنة، فوالدتي كانت تحضّني ولا تزال على السعي نحو تحقيق أحلامي وطموحاتي من دون المساس بهويّتي، وأنا فخورة بما تعلمته منها».

تختتم الكابتن طيار فاطمة المنصوري؛ لا تزال صُور الطفولة في «ليوا» عالقة في ذهنها، وعنها تقول «أحنّ إليها، إنّ للنخلة أثراً كبيراً في حياتي، فأنا مُحبّة للطبيعة وأقضي وقتي منذ صغري في مزرعتنا في ليوا لقطف التمور والثمار والخضراوات، ما زلت أزورها كل فترة لأنها بدايات الطفولة، وبعض الأحيان أزورها للحصول على السلام الفكري والنفسي، أو لاتخاذ بعض القرارات الحاسمة في حياتي.. فهناك أبدع وأتجدّد».