حالة الانتظار للآخر من أجل أن يأتي، لها ما لها وعليها ما عليها، في الحب والشعر يشكل الانتظار حالة إلهام للكثير من القصائد، فقد لا تخلو مسيرة شاعر من قصيدة تناولت الانتظار، هناك من يراه جميلاً، وهناك من يراه حالة من القلق المستمر.

وفي حياتنا الاجتماعية يمر الجميع بحالة انتظار، ربما لعدم احترام الوقت، أو ربما لظرف اضطراري، وتكاد حالة الاضطرار هذه تكون هي الذريعة الكبرى عند الجميع، فهل دائماً ما يكون الاضطرار، والمجتمع الذي تطور في جميع مناحي الحياة، هل ما زال يبقي على حالة العذر والاعتذار وقبول التأخير إن حدث بالآلية القديمة ذاتها؟

لقد كثرت مشاغل الناس عما كانت عليه سابقاً، وأصبح ضرب موعد للغداء أو العشاء لا يشكل حدثاً يستولي على أحداث اليوم كلها، فهناك من يقيم عزيمة للغداء ولديه أكثر من ارتباط بعد الغداء، ورغم وعي الجميع بهذا الالتزام، إلا أن هناك من لا يزال يعتبر الساعات متشابهة، فالموعد الساعة الواحدة يشبه الساعة الثانية ويشبه بالضرورة  وربما الرابعة.

يرى البعض أن حاجة الناس لبعضهم سبب كافٍ لتقبل تأخرهم، وكثيراً ما نقدم الاضطرار لذلك، فمن المؤكد أن الضيف كان مضطراً إلى التأخير، ونحن بالضرورة مضطرون إلى انتظاره، دون أن نجعل وقتاً للانتظار، حين نقوم بما هو غير مألوف، كأن نأكل قبل الضيف أو من حضر من الضيوف، ولمن تأخر نقول تفضل الغداء وحدك، آسف لقد انتهى وقت انتظارك، نعم فهناك يجب أن يكون وقت محدد للانتظار.

يجب أن نلغي من حياتنا الأوقات الغائمة بالمواعيد، كأن يقول لك سوف أراك صباحاً، دون أن يحدد الساعة، حيث إن الصباح ساعات عدة، أو أن يقول نراك المساء، فلا تعرف المساء الساعة السادسة أم السابعة، ولا تفاجأ بأن يأتي لك الساعة العاشرة ليلاً، فهي ما زالت مساءً عند البعض.

إن حاجة الناس لبعضهم البعض لا تبرر هذا اللغط بالمواعيد، فحين يمكن الالتزام بالموعد، يجب ألا تكون لدينا أريحية بالوقت، ولا يكفي أن نلبي دعوة للغداء في الوقت الذي نريد، بل يجب أن نلبيها في وقتها، وفي هذا السياق، تمت دعوة الشاعر الراحل محمود درويش على الغداء في إحدى الدول العربية، وتناول الجميع الغداء بعدد قليل الساعة الواحدة ظهراً، ثم بدأ الناس بالقدوم فرادى، وبدأ الحديث ما بعد الغداء مع الشاعر، والناس يأتون ويأكلون إلى الساعة الرابعة، فقال الشاعر محمود درويش لأحد الأصدقاء، (يبدو أن الإخوة هنا قد رفعوا الكلفة مع الوقت).

هذه عينة مما يحدث في المجتمعات العربية التي سايرت الحضارة الإنسانية بكل أشكالها، إلا أنها ما زالت فيما يتعلق بالانتظار، تتعامل بالأسلوب القديم ذاته.