يعد المخرج المصري مجدي أحمد علي، أحد القلائل المبدعين الذين يملكون مشروعاً فنياً يريدون تطبيقه، وعلى الرغم من تعامله في بدايته الفنية (أواخر الـ70 من القرن الماضي) مع عدد من المدارس الإخراجية المتميزة، إلا أنه لم يتأثر بأي منها، حيث تعد له صياغة إخراجية متفردة تجمع بين الشاعرية والقدرة على طرح القضية، كما تعد المرأة والتيارات المترطفة ملمحاً مهماً في أعماله.

• تم اختيارك مؤخراً لرئاسة «مهرجان شرم الشيخ السينمائي» للسينما العربية والأوروبية في دورته الثالثة، ماذا عن ذلك؟

نعم، بقرار من مجلس أمناء «مؤسسة نون للثقافة والفنون». وأنا سعيد لكون المهرجان عملاً ثقافياً مهماً داعماً للسينما المصرية والعربية، ونافذة يطل منها السينمائيون على الإنتاج الحديث من السينما العالمية. وأتمنى أن نتمكن من وضعه في مصاف المهرجانات الكبرى، وتكون تحركاتنا داعمة للسينما المصرية والعربية، ولديّ تصور للمهرجان سيتم من خلاله تقديم عمل ثقافي كبير يخدم محافظة جنوب سيناء والعاملين والسياح في شرم الشيخ خلال الدورة الثالثة للمهرجان.

• أصدرت مؤخراً وزيرة الثقافة المصرية قراراً بإنشاء شركة قابضة للصناعات الثقافية. ما رأيك في هذه الخطوة؟ وكيف ستستفيد السينما منها؟

 الشركة خطوة نحو عودة دور الدولة ثقافياً، خاصة أنها في فترة حكم الرئيس الراحل محمد أنور السادات تخلت عن السينما والثقافة بشكل عام، معتبرة وجودهما ترفيهياً، وامتنعت بعض قطاعات وزارة الثقافة عن أداء دورها منذ فترة طويلة، ومن الجيد استعادتها مرة أخرى لوزارة الثقافة، ومن ثم إعادة دور الدولة لإحداث توازن بين حركة السوق العشوائية الموجودة في مصر، والحركة المعتدلة. كما من الضروري إدارة المؤسسات الثقافية على أسس اقتصادية صحيحة، فضلاً عن أسس من الشفافية، وعدم تركها مرتعاً لكل من يريد أن ينهب، أو يعمل من خلال المجاملات.

• تعاملت في بدايتك الفنية مع عدد من المدارس الإخراجية، منها يوسف شاهين وعلي بدرخان ومحمد خان وعاطف الطيب وغيرهم، فإلى أي مدى شكلت هذه المدارس رؤيتك الإخراجية؟

دخلت السينما بعد انتهائي من دراستي في كلية الصيدلة، وكنت قد تربيت ثقافياً وكان لي هدف من وراء دخولي الفن، فلم يكن هدفي العمل لمجرد الشغل، إنما لأنني لديّ شيء أريد أن أقوله من خلال الأفلام، وبهذا المنطق كنت أختار المخرجين ممن أريد العمل معهم مساعد مخرج، بمعنى أني الذي اخترت وأحببت العمل مع خيري بشارة ومحمد خان وبدرخان ويوسف شاهين، وكل واحد من هؤلاء تعلمت منه شيئاً أفادني على مستوى التكنيك والحرفة واحترام المهنة.

• استغرقت 14 عاماً لتخرج تجربتك الأولى للنور وهي فيلم «يا دنيا يا غرامي»، فهل ثمة معوقات اعترضتك أدت إلى طول المدة؟

 سبب طول المدة الزمنية، أنه لم تكن لي واسطة تساعدني على إنجاز تجاربي التي أؤمن بها، كما أنه ليس من السهل على شخص له ظروفي وطبيعتي الاجتماعية والثقافية نفسها، وينتمي إلى الطبقة المتوسطة، وليست له علاقات جيدة في الوسط الفني أن ينجز أعماله بسهولة، وبالتعبير المصري الدارج أعتبر نفسي «نطيت من على السور» لعالم الفن.

• من الملاحظ عبر مشوارك أن إنتاجك السينمائي قليل وتقدم فيلماً كل فترة زمنية متباعدة.. لماذا؟

 المشكلة الرئيسية تتمثل في الإنتاج، لأن النوعية التي أقدمها أنا وآخرون من أبناء جيلي لا تستهوي المنتجين ولا يتحمسون لها، فكل فيلم كان عبارة عن تجربة إنتاجية خاصة وبها مفارقة للسوق لدرجة أن هناك أشخاصاً يندهشون كيف عملت كل هذه الأفلام مع السوق؟ وأنا لم أذهب إلى الخارج لأقدم أفلاماً عبر تمويل أجنبي لكني أصررت على أن أعمل في إطار السوق المصرية؛ لأني ليس لي جمهور غير الجمهور المصري، ولست حريصاً على أن يكون فيلمي موجهاً للمثقفين بقدر حرصي على أن يصل فيلمي إلى كل الناس.

• الملاحظ أن معظم أفلامك كان لها نصيب من المشاركات في المهرجانات الفنية، فهل يضايقك وصفك بـ«مخرج المهرجانات» ولست مخرج أفلام جماهيرية تجارية تحقق إيرادات خرافية؟

هناك بعض الأشخاص يستخدمون مصطلح أفلام مهرجانات «كشتيمة»، ومخرج المهرجانات بالنسبة إليهم هو مخرج لا علاقة له بالجمهور والناس، لكني كنت دائماً أضع الجمهور نصب عيني. وأنا أرى أن هناك فارقاً بين الفيلم التجاري والجماهيري، وأسعى إلى الفيلم الجماهيري، أما الفيلم التجاري الذي يعني التركيبة التجارية التقليدية فأنفر منه.

• ما نوعية الدعم الذي تراه مطلوباً من قبل الدولة لصناعة السينما؟

 إجراءات عديدة على صعيد الإعفاءات الضريبية، كفتح دور عرض سينمائي بإعفاءات ضريبية، ويمكن للدولة إعفاء المواد الخام الخاصة بصناعة السينما من الضرائب، كما تتم معاملة مصنع للبسكويت، وإعفاء إيرادات السينما على الأقل من ضريبة الملاهي لتشجيع المنتجين، وتقديم دعم للصناعة عبر الأفلام المختلفة عن السائدة في السوق، وأن تقف الدولة بجانب صُناع السينما الجادين وتساعدهم.

• ظاهرة المنتج «السبكي» التي سيطرت على صناعة السينما في مصر كيف تراها؟ وهل السبكي هو الذي يجري وراء الجيل الحالي من الشباب، أم هم من يجرون وراء أفلامه؟

 السبكي ظاهرة موجودة، ولو تركت الشباب.. سيذهبون إلى من هو أسوأ من السبكي، بمعنى أن السبكي يعمل في إطار القواعد الموجودة، وأرى أنه بعد «ثورة يناير» وتوقف صناعة السينما المصرية، كان هو الوحيد الذي يقدم أفلاماً و«بيدور الماكينة»، وللعلم السبكي نفسه عمل محاولات لتقديم أفلام مختلفة، وإحقاقاً للحق.. هو لا يقدم بالكامل أفلاماً تجارية، وقدم أفلاماً متميزة مثل «كبارية» و«الفرح» و«الليلة الكبيرة»، فهو يحاول أن يقدم أفلاماً جيدة، وتبقى المشكلة في أنك تحاول أن توجد مناخاً مختلفاً لتجعل الأفلام الجيدة هي السائدة، وهو دور الدولة في تشجيع السينما ليكون هذا النوع هو السائد، وكذلك تشجيع الأدب الجاد والموسيقى الجادة لتكون هي السائدة.

• آثار فيلم «مولانا» ضجة قبل وأثناء وبعد عرضه، وفي الوقت ذاته نال جوائز عديدة، فكيف تفسر الأمر؟

 لو نظرت إلى اهتمامي الأول عبر مشواري ستجد أن هناك قضيتين كبيرتين، هما: قضية التطرف الديني والفاشية الدينية وقضية المرأة، وهاتان القضيتان هما جوهر ومحور أعمالي، وعندما وجدت رواية «مولانا» أعجبت بها من اللحظة الأولى وكنت أريد تقديمها كمسلسل، وما زلت أريد ذلك، لكن المتاح وقتها كان تقديمها في شكل فيلم، فتحمس عناصر الفيلم من أول المنتج نجيب ساويرس والفنان عمرو سعد الذي بذل مجهوداً هائلاً في نقل وتوصيل رسالة الفيلم، وأعتبر نفسي محظوظاً بهذا الفيلم. على الرغم من التشويش الذي حصل.

• أين وصل مشروع مسلسل «مدّاح القمر» الذي يتناول حياة الملحن بليغ حمدي؟

حتى الآن هو مجمّد، والسيناريو جاهز منه 60 حلقة. وكنت قد حاولت مع مدينة الإنتاج الإعلامي لفترة طويلة، وكانت المدينة مشغولة بأعمال كثيرة ولم يخرج المشروع للنور، ونحاول الآن أن يكون التعاون مع قطاع خاص كشريك إنتاجي. ولن أترك هذا المسلسل إلا وهو في النور.

• أخبرتنا قبل الحوار أن هناك مؤامرة للقضاء على أبناء جيلك من المخرجين، فما السبب؟

 هذا صحيح، وعلى الرغم من أنني لا أحب نظرية المؤامرة، لكن هناك قطاعاً خاصاً في السينما والتلفزيون يفضلون التعامل مع الجيل الأحدث لأسباب كثيرة، منها الأجر أو للسيطرة أو لسيادة ظاهرة خطيرة تحدث الآن وهي أن النجم هو الذي يفرض كل شيء.. يفرض المخرج والمؤلف والممثلين، وأرى أن ذلك كارثة.