لئلّا يأتي النسيان على التاريخ الشفاهي للمرأة الإماراتية، وثّقته الدكتورة رفيعة غباش في موسوعة أصدرتها هذا العام، ومثّلت ذاكرة أنجزتها بجُهد فردي، تسرد سيرة 990 إماراتية منذ عام 1900. غباش التي ترأس متحف المرأة في دبي، تحدثت لـ«زهرة الخليج» عن «موسوعة المرأة الإماراتية»، التي أنجزتها بالتعاون مع أستاذة العلوم السياسية الدكتورة مريم لوتاه، في 10 سنوات، وساعدها في هذا الجهد فريق من المتطوعين الذين تحمّسوا للمشروع، وقد ذكرت أسماءهم على الصفحة الأخيرة مُمْتنّةً لجهدهم، واعتبرت أنّ النساء ساردات تاريخ المجتمع الإماراتي. الموسوعة ليست العمل التوثيقي الأول لغباش، فقد سبق أن «وثّقت سيَراً أخرى، مثل سيرة الشاعرة عوشة السويدي الملقّبة بـ«فتاة العرب»، وسيرة حسين بن ناصر، وتاريخ الطب كلّه، ولديها 40 بحثاً منشوراً في مؤسسات أوروبية». وفقاً لها. رَصد سيرة 990 امرأةً تُشير غباش إلى أنها «أرَّخت حضور المرأة في المجتمع الإماراتي منذ 1900 ميلادية وحتى العام الجاري، أي على مدى الـ118 عاماً الماضية». شارحةً بأن «الموسوعة شملت 16 فصلاً توزّعت على قُرابة الـ450 صفحة. ذكرت فيها 990 امرأة، منهن 536 امرأة تم ذكرهنّ بالتفصيل. وهنّ نساء رائدات في مجالات مختلفة، وذلك بداية من الشيخة سلامة بنت بطي، وصُولاً إلى روضة السركال، الفائزة ببطولة العالم للناشئين تحت سن ثماني سنوات في الشطرنج». من التبرّع حتى تقديم المعلومة تحدّثت غباش عن أكثر امرأة قدّمت لها المساعدة المعلوماتية في الموسوعة، وتقول: «تعرفت إلى مجموعة نساء زرن متحف المرأة - الذي أسّسته في دبي - وأرَدْنَ التبرّع بمقتنيات معيّنة للمتحف، ومن خلال الزائرات تعرفت إلى سيدة من رأس الخيمة تُدعى مريم بنت علي الخاطري وابنتها شيخة مصبح، وقد أضافت الخاطري التي توفيت العام الماضي معلومات قيّمة للموسوعة». اختارت غباش صورة أمّها لغلاف الموسوعة، وتُمثّل امرأة من الستينات كانت تحرص على قراءة المجلة في الصباح، وهي بكامل أناقتها. التوثيق لمرحلة ما قبل الإعلام التاريخ الشفاهي للمرأة الإماراتية، هو ما اعتمدت عليه غباش في جمع روايات النساء في مرحلة ما قبل الإعلام، بحسب قولها، وتشرح «اعتمدت عليه بنسبة 90%، وذلك عبر المقابلات المباشرة مع النساء». وعن كيفيّة بدء قصتها مع هذا التاريخ الروائي في الموسوعة، تكشف غباش أن «البداية انطلقت من ثلاث قصص، الأولى حول سؤالها معالي الشيخ نهيان بن مبارك ووالدته عوشة بنت شخبوط عن سبب تسمية الشيخة سلامة بنت طحنون، فكانت الإجابة أنها سُمّيت على اسم الشيخة سلامة بنت زايد الأول». أما الثانية، فتوضّح غباش أنها بدأت أثناء لقائها مع حاكم إمارة عجمان سمو الشيخ حميد بن راشد النعيمي، حيث سألها عما إذا كانت كتبت عن جَدّة الشيخ عمّار، ومنها بدأت رحلة بحثها في هذا الأمر، وتوصلت إلى أنها السيدة مريم بنت سيف الحمر، والدة عبد الله وسيف الغرير، وكانت مُعالجة و«داية»، تتبرّع بكل ما يحتاج إليه المولود آنذاك. القصة الثالثة تقول عنها غباش: «كانت أثناء زيارتي لرجل الأعمال الإماراتي جمعة الماجد، سألني وقتها: «هل كتبت عن حنتومة»، فبحثت عنها، وعلمت أنها أهم بائعة سمك، وحفيدتها الدكتورة عايشة الشارد، فتوجّهت إلى الأخيرة واستقيتُ المعلومات الدقيقة عن جَدّتها». من هذه القصص، بدأ ينمو لدى غباش حسّ التحرّي والبحث عن الحقائق والقصص، وأهمية توثيق التأريخ. السلامتان: بنت زايد الأول وبنت بطي القبيسي وجه الشَّبَه بين الشيخة سلامة بنت بطي والشيخة سلامة بنت زايد الأول، كما تقول غباش، «السلامتان لهما حضورهما الاستثنائي في أسرة آل نهيان، وذلك في مرحلتين زمنيّتين مختلفتين، فالشيخة سلامة ابنة زايد الأول، وهي أكبر عُمْراً من (أم الشيوخ) الشيخة سلامة بنت بطي، فابنة زايد الأول عُرف عنها سلامة حكمتها وقوّة شخصيتها وسَدَاد رأيها، ومكانتها الرفيعة لدى والدها وأشقائها». وكذلك الشيخة سلامة بنت بطي، وهي والدة المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان (طيَّب الله ثراه)، تقول غباش: «المسؤولية عليها كبيرة آنذاك. كانت زوجة حاكم وأم حكّام»، وتصفها بأنها «كانت مؤثّرة، وأظهرت رباطة جأش بالغة في مواجهة التحديات». حصة بنت المر.. الداعمة لزوجها وعن شخصية الشيخة حصة بنت المر، زوجة المغفور له الشيخ سعيد بن مكتوم، حاكم دبي، من 1912 إلى 1958، قالت غباش إنها كذلك أم المغفور له الشيخ راشد، حاكم دبي من 1958 إلى 1990، التي كان لها تأثير في القرار السياسي في دبي، إذ اقترن اسمها بالحكمة، وإسهامها في استقرار دبي، من خلال مواقفها الداعمة لزوجها، وتهيئة ابنها الشيخ راشد لحكم الإمارة فيما بعد». الشِّعْر والمرأة.. ورواية الإمارات وتؤكد غباش أهمية الشعر في جانب التوثيق «الشعر يُعضّد المعلومة بالإمارات، إنه يَذْكُر النساء، ضمن مرحلة تاريخية وتوثيقية». وإنْ كان القصد من الموسوعة تأريخ رواية «تاريخ المرأة في الإمارات»، أم «رواية الإمارات» نفسها، تُجيب غباش: «رواية الإمارات بالتأكيد، إنني أتحدث عن مجتمع الإمارات من خلال تاريخ نسائه». تكشف غباش عن تاريخ عمل النساء في الإمارات، «توصّلتُ، من خلال التوثيق، إلى أنه لم توجد امرأة لا تعمل في مرحلة ما قبل النفط في المنطقة. فلا دخول ثابتة للنساء حينذاك، فغالبيّة أزواجهن ذهبوا في رحلات البحر من أجل كسب الرزق، حتى الأسَر المقتدرة كانت نساؤها تعمل في التجارة، كشراء السفن وما شابه». الشيخة سلامة ووسيلة النقل تُفضّل غباش أن يُطلق عليها وصف مؤرّخة/ موثّقة، وليس راوية سيرة، «أفضّل دور المؤرخة، على اعتبار أن كاتب السيرة يكتب كل ما لديه، أما الموثق فيتأكد من كل معلومة رصدها إلى حد كبير». ومع ذلك تعترف غباش بأن بعض المعلومات - رغم الجهد بالتحقق منها - تم تصحيحها بعد إصدار الموسوعة، فتقول: «ذكرت في الموسوعة أن الشيخة سلامة بنت زايد الأول اصطحبت أختها شمة إلى عُمان لعلاجها من مرض ألَـمَّ بها، وأثناء عودتها على الجمال في رحلة طويلة وشاقة أصيبت الشيخة سلامة بالحمّى الشوكية، وتوفيت بعد وصولها إلى أبوظبي». وتوضّح «بعد إصدار الموسوعة تلقّيت اتصالاً من حفيدة الشيخ شخبوط، تُخبرني فيه بأن المعلومات خاطئة بشأن وسيلة النقل، إذ كانت سيارة وليست جمالاً، واتضح أن من كان يقود المركبة والد معالي عبد الغفار حسين». وتوضح غباش «تحدثت مع عبد الغفار حسين، وسألته، فأكد لي صحة الواقعة، وأخبرني أنه حينها كان يبلغ من العمر (14 عاماً)، وكان برفقة والده في السيارة وقتذاك». (أُم الإمارات).. المرأة الاستثنائية أمّا أكثر اسم ذُكر في الموسوعة فهو الشيخة فاطمة بنت مبارك (أُم الإمارات)، وتصفها غباش بأنها «شخصية قياديّة مؤثّرة. وأهم ما يُميّزها أنها كرّست مكانتها الرفيعة وقُربها من الراحل الكبير، لخدمة قضايا المرأة ودعمها للعمل المجتمعي، وحضورها الإعلامي، وحديثها المباش مع النساء، ولقد أزالت (أم الإمارات) كل ما يُعيق المرأة لمواصلة العطاء». بطلات في الظل في أحد فصول الموسوعة، ركّزت غباش على تسميته «نساء أبَيْنَ العيش على هامش الحياة»، تطرّقت فيه إلى أسماء لم يقتصر نشاطهن على مجال واحد بل وشاركن في قطاعات كثيرة، وأثّرْنَ في محيطهن، مثل الراحلة فاطمة بنت سعد، التي كانت امرأة بسيطة، تعمل في الحرف اليدوية، مصدر رزقها، أوْكَل إليها الشيوخ توزيع الزكاة والصدقات، ولم تتوقف عن ذلك العمل الخيري حتى مماتها». وتختتم غباش حديثها بالقول: «إنّ الهدف الرئيسي من إصدار الموسوعة هو أن (المجتمع دون تاريخ لا قيمة له)».