تتكلم بعينيها أكثر من اللسان، وتغني بالقلب والمشاعر قبل الصوت، وتثقُ بالوطن والقيم والإنسان. رَتّلت ترنيمة المسيح وتكبيرة الإسلام، فتفاعلت الصلوات بصوتها في حوار الأديان. ناعمة جداً، خجول جداً، وتعرف كيف ترمي الكرة في ملعب حوار الثقافات وإن كانت لا تُحسن اللعب بها. هي امرأة نضجت بين أب حنون جداً، وأم تقسو حين يجب، فأصبحت تفهم الحياة كما يجب.

• لنبدأ من الآخر من احتفال «وان ليبانون»، الذي جمعت فيه سفراء الدول ضد مشاهير في الفن والمجتمع والرياضة في مباراة كروية لا يفوز فيها سوى السلام. تانيا قسيس، هل تلعبين بدورك الكرة؟

لا، أخاف منها. أمشي، أشارك في الماراثون على الرغم من معاناتي آلاماً في الظهر، لكنني لا أحسن التعامل مع الكرة. أنا أحمّس اللاعبين. أصفّق لهم. أدعمهم لكني لا أشارك عملياً.

• حدّثينا عن احتفال «وان ليبانون»؟

- هي المرة الخامسة التي ننظّم فيها مسابقة كرة القدم في «وان ليبانون». دعَوْنا إليها السفراء. استجاب كثيرون، والبعض اعتذروا. أما المشاهير فجميعهم من لبنان. ثمة رسالة واضحة إلى كل العالم من اللعبة، وهي أن يتوحّدوا ويقدّموا الجائزة في نهاية اللعبة للبنان. ثمّة أمل بأن يشارك الجميع معاً في الحراك. وبعد اللعب يشارك الجميع في حضور احتفال ننظمه. نحن لا نقبل تمويلاً من سياسيين ولا ندخل في لعبة البروتوكول. هدفنا أن نتّحد معاً من أجل تشكيل قوة للسلام.

• ماذا عن الشباب العربي في غنائك؟ في رسائلك؟

 أرسلت إليهم رسالة عبر غنائي لمدينة القدس. أعترف بأنني أتوجه في الأغلب إلى أوروبا وأميركا، ولبنان هو دائماً في قلبي آخذه معي أينما ذهبت، لكنني في رسالة القدس غنّيت لعاصمة السلام والأديان السماوية المختلفة. غنيت لعاصمة «خسرت آلاف البَنِين، تُنادينا للسلام وعيناها لا تنام، ومَوطِن الأديان وحاضنة الإنسان».

• غنيت القدس مرّتين؟

 غنيت القدس بالأجنبية والآن بالعربية، وشعرت بقدرتي على فعل هذا بلغتي الأم بإحساسٍ عالٍ مختلف. الكلمات العربية أجمل من الكلمات الأجنبية، على عكس ما كنت أشعر سابقاً.

• وقوفك الأول على المسرح كان في عمر 16 عاماً. هل المرّة الأولى غير كل المرات؟

 أول حفل شاركت فيه في المدرسة، كنت في عمر الـ16، وفي عمر الـ18 اختاروني كي أمثل لبنان في الألعاب الفرانكوفونية في كندا، فكتب لي إلياس الرحباني أغنية «ترابك يا لبنان»، وكتب لي والدي أغنية القدس بالفرنسية ألفت موسيقاها بنفسي. ونلت يومها جائزة تقدير. وهذا حمّلني مسؤولية، وشعرت كم يمكنني عبر الغناء والموسيقى من حمل اسم وطني. الوقوف على المسارح العالمية استحقاق كبير ما زلت أشعر برهبته حتى اللحظة. درست التسويق والأعمال في لبنان، وقررت السفر إلى باريس، حيث درست الأوبرا وأمضيت سبع سنوات.

• نفهم أن التسويق قد يساعد فنانة، لكن كيف ساعدك اختصاص البيزنس في مهنة الغناء؟ 

 أنا لست بارعة في البيزنس والأرقام، حتى يوم افتتحت أكاديميتي التي تحمل اسمي، لم أفكر في الربح والخسارة الماديين، بل في الأولاد الذين يستحقون منصة ثقافية موسيقية. الأطفال في الغرب يسمعون الموسيقى ويتعلمونها كما الأبجدية، فلماذا لا يُتاح هذا لأطفالنا نحن؟ مشكلتنا أن الغناء الكلاسيكي ليس جزءاً من حضارتنا، بينما هناك واقعياً جيل جديد لا يهتم بالغناء الشرقي ويتجه أكثر إلى الغناء الفرانكوفوني أو الأنكلوفون، لذا توجهت إلى هؤلاء. وآمنتُ دائماً بأن الموسيقى يُفترض أن تكون متاحة للجميع. إنها علاج كما العلاج النفسي أو اليوجا. ثمة أشخاص «يفشّون خلقهم» بالغناء، وبتّ أؤمن بألّا صوت نشازاً إذا أمّنت لصاحبه الدراسة اللازمة. لا أحد في الدنيا لا يملك صوتاً.

• تانيا صالح حين تؤدّين «آفا ماريا والأذان» تسحبين المستمعين من واقعهم وتُحلّقين بهم. هل لا تزالين تشعرين بها في كل مرّة كما إحساسك الأول؟ 

صدّقيني، في كل مرة أؤديها يتملّكني إحساس رهيب، فأدخل في صومعة وأحلّق.

• أدّيت هذه الأغنية أمام الرئيس الأميركي دونالد ترامب؟

فعلاً، وصفّق لي كثيراً وهنّأني. هو أيضاً تأثر جداً.

أقدامهم على الأرض

• سمعناك تردّدين مرة: لا أستمع للأغاني اللبنانية. هل تقاطعين الأغاني العربية والفنانين العرب؟

 لا. بالعكس، لكني أحب الأغاني الأجنبية والأوبرا. إني أستوحي منها، وأسمع الأغنيات العربية، لكني لا أتابعها كثيراً ولا أعرف ما جديد المغنّين العرب. مع العلم أنني أحب كثيرين منهم.

• هل كوّنت صداقات مع فنانين عرب؟

 لديّ أصحاب كثيرون، وبتُّ متأكدة أن أقدام أغلبهم على الأرض، وليسوا متكبّرين، عكس ما نظن. هم يملكون من البساطة والصراحة الكثير، لكن الحال في العالم العربي تجعلهم يحمون أنفسهم بالتصرف باستعلاء أحياناً. الفنان، لاسيّما في لبنان، يضطر إلى أن يفعل نفسه بنفسه. المطربة نجوى كرم مثلاً رأيتها أول مرة في مهرجان الأرز في لبنان، وحين علمت أن عيد ميلادي يصادف في تلك الليلة، غنّت لي «ميلاد سعيد» بطريقة جد عفوية. أحببتها كثيراً.

والدتي قاسية غالباً

• يُقال إنك خجول؟

في حياتي العامة نعم، لكنني أتخلّى عن خجلي على المسرح وأصبح شخصاً آخر. من لا يعرفني يقول «شايفة حالها»، لكن هذا ليس صحيحاً.

• علاقتك مع أهلك مُتميّزة جداً، وهذا ما نشعر به على صفحات التواصل الاجتماعي الخاصة بك. هل مَرَدّ هذا إلى أنك الابنة الوحيدة بين شقيقين أصغر منك؟ 

-علاقتي قوية جداً مع والديّ، لأنهما دعماني جداً وأعطياني الحرية كي أختار طريقي كما أشاء. كنت مستقلة منذ انطلقت وقلت لهما: إذا لم أنجح وحدي فلن أتابع رحلتي مع الفن. وهما كانا دائماً إلى جانبي وتفهّما موقفي. وأعترف بأنني خليط من شخصيتين مختلفتين. والدي حنون جداً، دلّلني كثيراً، أمّا والدتي فكانت تعتل همّي كثيراً، لكنها قاسية غالباً، تتحدّاني، وتدلّني إلى أخطائي، وهذا ما يساعدني على رؤية أي خلل في مسيرتي، ويجعلني أحاسب نفسي دائماً.

• يتطلب الفن في الأغلب تنازلات. ماذا عنك؟

 أهملت حياتي الشخصية لحساب مهنتي. عملي يأخذ الكثير من وقتي، وأعتبر مهنتي أولوية.

• ماذا عن الحب في حياتك، وأنت الشغوفة بالوطن؟

 أدرك أننا كفنانين نحتاج إلى الحب في حياتنا، لكن حبّ الناس يملأ حياتنا في أوقات كثيرة، لكننا حين نعود لبيوتنا ونقفل أبوابنا، نتذكر أننا نعوز حُبّ العائلة. أحياناً أقول الوقت يمر وأحتاج إلى بناء عائلة وأولاد، لكني موقنة بأن إيجاد الشريك المناسب ليس سهلاً. صعب على الرجل الشرقي أن يرتبط بامرأة تحت الأضواء.

• هل تخافين من المستقبل؟

-لا، ربما لأنني لا أخطط كثيراً إلى الأمام، ولا أبني توقعات على الآخرين، بل أحاول أن أستفيد من كل لحظة في حياتي.

• ماذا عن رسالتك المقبلة؟

 إيصال الموسيقى إلى الجميع، خصوصاً من لا يملكون المال ليتعلموها، لأنني أثق بأن من يحمل آلة موسيقية لا يحمل السلاح.