سمعنا عن «حرب النجوم» التي لم تقع، وأهوالها الرهيبة التي لم تدمر الكرة الأرضية بعد، إلا في أفلام الدرجة الثالثة والألعاب الإلكترونية. أما «حرب النجمات»، فهي واقعية، وتدور رحاها من دون توقف منذ عقود: لقد أعلنّها حرباً بلا هوادة ضد... الكيلو جرامات، وحتى الجرامات، الزائدة. وقبل سنوات، كان وطيس هذه الحرب قد حَمي «حِميةً» لا مثيل لها من قبل.
وعلى الرغم من الاتجاه المعاكس في مفهوم الجمال، الذي يشق طريقه ببطء إنما بحزم، لا تزال معظم الممثلات وعارضات الأزياء العالميات يخضن تلك الحرب البالية، ويستبسلن فيها. وملايين الفتيات في العالم، حتى في مجتمعاتنا، يقتدين بهن ويسرن على خطاهن الغزالية. فصرنا نسمع عن أمثلة بطولية في التفاني والمقاومة والصمود أمام المُغريات اللذيذة والتضحية بالجسد والجُود بالنفس للذود عن صرح الرشاقة «الهيكل عظمية» أمام أرتال العدو المسعورة، متمثلةً ببضعة أرطال.
ولو كان الأمر يتعلق بمن ابتلين بسمنة مفرطة لأسباب خارجة عن إرادتهن، لتفهمنا ذلك الإصرار. أما أن تعمد شابة طويلة ورشيقة إلى تعذيب جسدها، النحيل أصلاً، أملاً في تخسيسه أكثر، فهذا ما يستعصي فهمه. ويصبح الهزال مهزلة.
فلماذا تتشبث الممثلات وعارضات الأزياء، أو أغلبهن، بنحافة مبالغ بها؟
السبب هو أن «ثقافة» الكليب والأفلام، وبشكل خاص الإعلانات، المرئية منها والمطبوعة، فرضت طوال عقود فكرة الجمال «العُودي» وكرّست أنصاف الأقطار «الخويطية» كمقاييس لجاذبية المرأة.
فأغلب النجمات يصبحن أسيرات النظام الإعلاني والإنتاج السينمائي وأقطابهما. وأرباب شركات الإعلان والإنتاج يتعاقدون معهن حين تكون مقاساتهن «مثالية» لغرض الترويج والتمثيل، بعبارة أخرى هزيلة. لكنهم يمتعضون إن فقدن هزالهن، ويتلكؤون في تجديد عقودهن. فمن منظورهم، تشكل النحافة المفرطة عاملاً لا غنى عنه للإعلانات الفاعلة والأفلام الناجحة، اقتناعاً منهم بمعادلة رياضية مفادها أن «تأثير الإعلان أو الفيلم يتناسب عكسياً مع وزن الفنانة». وذلك ما يفسر إصرارهن على الحفاظ على قوام يجعل الواحد منا يظن أنه لو نفخ على الواحدة منهن، لطارت.
على الرغم من ذلك، تدل مؤشرات مستجدة كثيرة على أن «أسطورة» الحسناء الهزيلة ذات المقاسات الولادية أفقياً والنسائية عمودياً لم تعد سائدة بالصورة الكاسحة التي كانت عليها حتى بضع سنوات خلت، بل بدأت تتصدع شيئاً فشيئاً. وثمة توجه حثيث لدى المنتجين نحو أنوثة أكثر اكتنازاً.