يتصدى التوثيق للنسيان، ويحول التاريخ الشفاهي إلى ذاكرة مكتوبة تتيح للأجيال نظرة معمقة على حياة الأسلاف، وحفظها في الوعي والوجدان، لتشكل مرجعاً لا غنى عنه لفهم ماضي المجتمعات وحاضرها. هذا ما أنجزته المؤرخة الإماراتية الدكتورة رفيعة غباش، عندما عادت إلى العام 1900، وأرّخت أسماء 990 امرأة إماراتية، لترصد في كتابها القيم «موسوعة المرأة الإماراتية» أدواراً وأسماء وأحداثاً مبرزة ملامح وتفاصيل ومعلومات قد لا يعرفها كثيرون، وخصوصاً الشباب، عن تاريخ الإمارات، والحضور الفاعل للنساء فيه. وقد شكلت الموسوعة، التي أنجزت بجهد فردي وبحماسة متطوعين شاركوا برواياتهم وأبحاثهم، دافعاً للدكتورة غباش لرصد كيفية تدوين السير الإنسانية للنساء الإماراتيات خلال 118 عاماً في جهد موسوعي، استغرق عشر سنوات من جمع الروايات، وسير الشخصيات، وتدقيق الأسماء والحقب التاريخية ومراجعتها. بذلك، تقدم الدكتورة غباش التي تحاورها «زهرة الخليج» في هذا العدد، سرداً تاريخياً تحضر فيه شخصيات قياديات بارزات في العمل العام في ماضي الإمارات وحاضرها، تتقدمهن سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك، رئيسة الاتحاد النسائي العام، الرئيسة الأعلى لمؤسسة التنمية الأسرية، رئيسة المجلس الأعلى للأمومة والطفولة «أم الإمارات»، وهي شخصية محورية في الموسوعة، لتأثيرها في مختلف مناحي الحياة في دولة الإمارات منذ تأسيسها على يد الأب المؤسس الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، ودورها البارز في تمكين الإماراتيات وإثراء مسيرة العمل النسائي ورعايته، وتشجيع نماذج الريادة والإنجاز التي جسّدتها النساء في مختلف المراحل، قبل اتحاد الإمارات وبعده. تلقي المؤرخة الضوء أيضاً على محطات بارزة من مساهمة المرأة في سوق العمل، وقد تلقت تشجيعاً ودعماً في تعليمها وتأكيداً لقيمتها التربوية في الأسرة، ومشاركتها الرجل في التجارة وغيرها. فنقرأ مثلاً عن الراحلتين «حنتومة» التي كانت تبيع السمك، وفاطمة بنت سعد التي تخصصت في الحرف اليدوية، وكان لها نشاط في العمل الخيري، وتوزيع المساعدات على المحتاجين، ما يشير إلى الوعي الاجتماعي المبكر والمنفتح تجاه قيمة المرأة ومكانتها في الحياة الإماراتية. شكراً لرفيعة غباش التي «تقبض على التاريخ بيدها، لتستطيع توثيقه قبل أن يتبخر». شكراً لها على حراسة الذاكرة الإماراتية وروايتها نسائياً في تدوين يشبه نبضاً، ولطالما كانت النساء نبض المجتمعات الحية.