مجدداً، تصنع الإمارات حدثاً عربياً بأبعاد إسلامية مشرقة ومخلصة، تنقذ الدين الإسلامي وحياتنا من الانحرافات والأهواء. فتشكيل مجلس الإمارات للإفتاء الشرعي من خيرة العلماء، برئاسة العالم الجليل عبد الله بن بيه، لفت الأنظار إلى الدور الريادي الذي تؤديه الدولة في خدمة الإسلام وإظهار سماحته واعتداله.
المجلس يضبط الفتوى من الانفلات الكبير الذي تزايد مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي، وتكاثر المتاجرين بالدين، ويوحد مرجعيتها بتأصيل شرعي دقيق ومسؤول، وينظم شؤونها، وآليات إصدارها، والأبرز أن من يتصدى لذلك علماء مؤهلون، لا يستندون إلى أجندات متطرفة، أو يخدمون أغراضاً شخصية وتجارية.
ومن جماليات هذا الحدث الإماراتي المبهج تعيين أول امرأة في عضوية مجلس الإفتاء الشرعي، ليمنح مؤشراً جديداً إلى الحكمة والرشد واحترام دور النساء في التنوير، وقدرتهن على الإسهام الفعّال في التنمية الثقافية. شمة الظاهري، التي حاورتها «زهرة الخليج» في العدد الماضي، تأهلت كما يجب لمهمتها، وهي على معرفة أكاديمية بالعلوم الشرعية، شأنها شأن العلماء في المجلس، وعلى وعي بفوضى الفتاوى التي سادت في العقود الأخيرة، وتطرفت في تشويه الدين والتدين، وأغلقت حياة الناس وشؤونهم الدنيوية، وعزلتهم عن الحداثة والتنوير، كما قدمت للعالم صورة قاتمة عن حضارة قامت على التسامح والقبول بالآخرين.
تعرف شمة الظاهري، وتعرف النساء في العالم الإسلامي النيل المتعمد من مكانة المرأة وحضورها، حينما جعل المتطرفون من النساء شغلهم الشاغل في أحكام وفتاوى ليست من الدين في شيء، اتبعوا فيها أهواءهم ومصالحهم، وأرادوا عزل المرأة عن الحضور والفاعلية في المجتمع، لا سيما مع انتشار تكنولوجيا الاتصال الحديثة، التي أتاحت لأنصاف المتعلمين وأشباه المؤهلين الخوض في مسائل شرعية، تتطلب وعياً وعمقاً في الدراسة والتحليل الشرعي.
بفضل الحكمة، وبعد النظر في الإمارات، أصبح للمرأة حضور في مجلس الإفتاء الشرعي، تمثله شمة الظاهري، التي ترى أننا لسنا «بحاجة إلى دين جديد، فديننا فيه من الأحكام والقيم والمعاني والأخلاق الحميدة التي تجعل الناس جميعاً يعيشون حياة أمن وسلام حتى مع مخالفيهم».
وهكذا، فثمة الكثير الذي يمكن أن تضيفه المرأة في مجلس الإفتاء، خصوصاً إن كانت على وعي بالتحديات. فالمجتمع على ثقة بأن شمة الظاهري ستقدم إسهاماتها المقدرة، لما تتمتع به من حكمة وموضوعية، وبذلك تتعزز مكانة المرأة أكثر وأكثر ليس في الإمارات وحدها التي لها السبق والريادة في هذا المجال، بل الطموح إلى أن يحذو العالم الإسلامي حذوها، خاصة أن الحضارة الإسلامية وتراثها الناصع يشهدان بدور المرأة معلمة ومفتية وملهمة للأجيال.