كثيرة كانت قصص الحب من طرف واحد، في المجتمعات العربية تحديداً، ومن يشابهها من المجتمعات في العالم، فهي قصة يكون المجتمع هو المسرح الأول لها، فلا يمكن أن نجد قصة حب من طرفٍ واحد في المجتمعات الأوروبية، نظراً لشكل العلاقات بين الناس، وبين الرجل والمرأة تحديداً.
البيئة الحاضنة للحب من طرفٍ واحد هي المجتمعات المنغلقة، التي تجرم أو تحرم لقاء الشاب مع البنت، وتحديداً مجتمعاتنا الخليجية في فترة سابقة، حتى إن أغنية طلال مداح (قصت ضفايرها ودريت) نجحت كثيراً لصدق مشاعر كاتبها، وكيف وقع في حب ابنة الجيران من وصف الناس لها، ولم يرها ولو من بعيد، وحالة الحب ربما لو سمع الجيل الحالي عنها سيجد صعوبة في استيعاب الحالة.
لقد مرت المجتمعات الخليجية بمراحل، فإذا أوغلنا في التاريخ قليلاً، سنجد المرأة في العصر العباسي والذي قبله من مرويات الشعراء والأحداث أكثر حضوراً في المجتمع، حتى ما كان يسمى بالحب العذري الذي اشتهرت به قبيلة بني عذرة، لا يعني عدم رؤية وحديث المرأة للرجل.
ثم بعد ذلك إلى العقود القريبة أصبحت بعض المجتمعات أكثر انغلاقاً بالشأن الاجتماعي، ونشأت هنا حالات الحب من طرف واحد، حيث لا توجد وسائل للتواصل إلا اللقاء المباشر، واستمرت حالات الحب من طرف واحد إلى العقود القريبة كالسبعينات وبداية الثمانينات، وكانت هنا مبررات لوجود حالات حب متعثرة، أحادية الطرف، حيث إن الطرف الآخر لا يعلم بالطرف الآخر.
أما الآن وقد توافرت وسائل متعددة للتواصل فلا يمكن الحديث عن حب من طرف واحد إلا في حالات غير سوية، حالات سببها الشخص نفسه، وليس المجتمع كما كان، حيث يمنع نمو حالة الحب الطبيعية، بين اثنين يتصارحان ويتفاهمان ويقرران شكل العلاقة للمستقبل.
وربما تكون خصوصية المجتمعات العربية سبباً في وجود قصص للحب، بصورة غير موجودة بمجتمعات أخرى، حيث السرية والكتمان والحذر والخوف من خسارة الطرف الآخر، والقلق والغيرة والارتباك، كل تلك المشاعر ربما لا توجد إلا في المجتمعات العربية، وهي تشكل رافداً مهماً من روافد الشعراء في الكتابة عن الحب، الذي يمثل الغالب الأعم من نتاجهم الشعري، والقاسم المشترك عند جميع الروائيين، فلا تجد رواية عربية لم يقحم فيها الروائي قصة حب.
إن الحب من طرف واحد بما يشكله من حالة إلهام، وعذاب جميل وخيال جامح لم يزل هناك من يستمتع به وهناك من يتألم منه، وهناك من يتقد منه ويشتعل ألقاً.
أحبيني ولو من جانبٍ معتوه
يُدعى الجانب الواحدْ وردي أمسيَ المشبوه ردي أمسيَ الجاحدْ أنا ما زلت فوق الرفِّ كالمشدوه أرقبُ صوتها العائدْ *** فكوني أنت ذاك الصوتِ ذاك الملتقى الواعدْ ولا تستهتري بالوقتِ إن الوقت لي شاهدْ بأني أرسلُ الأشعارَ فرساناً بلا قائدْ لأني لم أزلْ قاعدْ