حين تتعطل لغة الكلام تبدأ لغة العيون، لكن ماذا لو تعطل أداء العيون وتقلص «الجزء الزجاجي» من العين وذاب السائل الجيلاتيني وانفصلت الشبكية؟
يُمسك بمحرمة ورقيّة ويبدأ في تقطيعها شارحاً بتبسيط شديد، كيفية تقلص الجزء الزجاجي في العين والسائل الجيلاتيني داخلها، مما يؤدي إلى انفصال الشبكية. ثمة أسباب وعوامل ومراحل وأعراض ومؤشرات تحدث عنها بالتفصيل الاختصاصي في الشبكية وأورام العين في مركز «كليمنصو الطبي» الدكتور حسن عبد العزيز. شبكية العين تُشبه المحرمة الورقية، فهي شفافة وخفيفة ومُعلّقة على سطح العين، وأمام الشبكية يوجد جسم زجاجي يلتصق بها، لكن مع التقدم في العمر والدنو من مرحلة الشيخوخة، يبدأ هذا الجسم الزجاجي الانفصال عن الشبكية نتيجة حصول فراغات، مثل فقاعات الهواء، بسبب تقلص المادة الجيلاتينية السائلة. وهذا التطور الطبيعي بحكم العمر لا يُعدّ مشكلة عند 99% من البشر. لكن المشكلة عند من تحدث لديهم هذه الحالة وتؤدي إلى حصول ثقوب وتمزقات في الشبكية، خصوصاً عند البشر الذين يعانون قصر النظر بدرجات عالية أو من تعرضوا للكمَة قوية على العين، أو من لديهم حالات مشابهة سابقة في العائلة أو من تكون عيونهم طويلة، لأن الشبكية تكون مشدودة ومعرضة أكثر للتمزق. وهنا يفترض ألّا يخاف أصحاب العيون الممدودة الطويلة لأنهم ليسوا في خطر، فطول العين المقصود لا يُرى عادة بالعين المجردة بدليل أن الآسيويين، الصينيين واليابانيين، أصحاب العيون الصغيرة شكلاً من الخارج، لكن الأكثر وسعاً وامتداداً من الداخل. حين تسمعون إذاً بأن شبكية عين هذا أو ذاك قد انفصلت، ضعوا في نصب أعينكم أن السائل الجيلاتيني الموجود بين الشبكية والجزء الزجاجي من العين، الذي يُسهم في تلاصقها من جهات مختلفة في الحائط الخلفي للعين، قد تقلص مما أدّى إلى انفصال الشبكية وربما تمزقها أو إحداث ثقب فيها. أعراض عدة قد تظهر حين يتسرب السائل المائي، ويبدأ «الانفصال» بالحدوث بينها: ظهور ما يُشبه ومضات الأضواء، «الفلاشات»، وكأن سيارة شرطة تسير ليلاً، وقد يظهر ما يُشبه الذبابات أمام العين، ليس أربع أو خمس ذبابات بل مئات الذبابات أو النقاط السوداء، ويفترض عدم تجاهل ظهور هذه الأعراض، للتأكد من إمكانية عبورها بسلام أو خطورتها والتأكد من عدم وجود تمزق في الشبكية. في كل حال، في حال ظهور تمزق فيها يمكن علاج التمزق بالليزر، في شكل دائري، كي لا يتمدد مُحدثاً مشاكل أكبر. ومعلوم أن إهمال علاج انفصال الشبكية يؤدي إلى فقدان البصر. لا بُدّ في بعض الحالات من الخضوع لعملية جراحية للحدّ من تفاعلات انفصال الشبكية. ويقول الدكتور عبد العزيز: «العمل الجراحي هو غالباً الحلّ الوحيد، والجراحة تكون واحدة من اثنتين، فإما إعادة الشبكية إلى موضعها الطبيعي، وإعادة المادة الجيلاتينية إلى العين عبر استخدام مادة زيت السيليكون أو مادة الغاز داخل التجويف الزجاجي. والفارق بين المادتين أن الغاز الذي يوضع عبر كرة غازية يزول وحده، ولا حاجة إلى عملية أخرى لاستخراجه، بينما السيليكون تتطلب إزالته عملية جديدة». عوامل عدة تُسهم في اتخاذ القرار حول نوعية العملية الجراحية والمادة المستخدمة، الغاز أو زيت السيليكون، داخل التجويف الزجاجي، وذلك طبعاً بعد إخبار المريض بتأثير المادتين، حيث إن من تُستخدم لديه، في تصحيح انفصال الشبكية وتثبيتها، كرة الغاز يُمنع عليه الصعود إلى المرتفعات أو السفر مدة ثلاثة أسابيع على الأقل، كما أن النظر لا يكون خلال هذه المدة جيداً جداً، في حين أن مادة زيت السيليكون المستخدمة تسمح للمريض بالسفر والصعود إلى الجبال، كما أن الرؤية تكون أفضل. لكن السيئ، كما سبق أن قلنا، أن المريض يحتاج بعد وقت، قد يكون شهراً أو سنة أو حتى خمس سنوات، إلى إزالة زيت السيليكون بعملية جراحية جديدة. البصر نعمة، وانفصال الشبكيّة، الذي كان يُعدّ سابقاً نتيجة حتميّة للعمَى، باتت له علاجات مُتاحة تُعيد إحياء البصر من جديد، شرط أن يتعامل المريض مع مشكلة انفصال الشبكية بحرص شديد، ومعالجتها فور ظهور الأعراض، أو حتى قبل ظهورها عبر إجراء فحص روتيني كل ستة أشهر للعينين، للتأكد من عدم وجود تمزق في الشبكية أو أي مشاكل أخرى. يهم أن تعرفوا أيضاً، أن انفصال شبكية العين قد تُصيب الصغار سناً لا الكبار فقط، وإن كانت بنسب أقل بكثير، كما أن العمل الجراحي يمكن أن يجرى تحت تأثير البنج الموضعي لا الكلي الشامل، ولا يحتاج المريض بعد العملية إلى المكوث طويلاً في المستشفى، بل يمكنه الخروج في اليوم نفسه، شرط أن يحافظ المريض على وضعيّة معينة للرأس بعد الجراحة. لهذا نذكركم هنا بوجوب الإكثار من الأسئلة، لأن بعض الأجوبة، التي يعدها البعض ساذجة، قد تساعد كثيراً في العلاج الصحيح. لا مشكلة عصيّة على العلاج، شرط ألّا يتخلّى المريض عن صبره وإيمانه، وأن يعرف عن مشكلته أكثر، وأن يجد الطبيب الذي يُجيبه عن كل أسئلته. وكما هو متعارف عليه أن نتيجة انفصال شبكية العين هي العمى الأكيد. فكم من أشخاص يرون اليوم 10 على 10 وهم عانوا ذات يوم انفصالاً في الشبكية. فثقوا بأن الطب تَقدّم كثيراً، ويَد الله حين تكون مع طبيبكم تحصل المعجزات.