ماذا لو نسينا ألكسندر بوشكين المقرب من القياصرة، والمراقب في كتاباته، ونسينا مؤقتاً الشاعر العظيم، والصحافي المثابر، والمسرحي الناقد، وتحدثنا عن بوشكين الهش، الإنسان الجميل، العاشق والمعاند، والمبارز في معركة دونكيشوتية غير متناسبة القوى، كان عليه أن يخوضها وهو يعرف بأن عدوه أقوى منه بكثير وعسكري محنك. ولأن فيه شيئاً من حرارة الجنوب، فقد ذهب بوشكين وراء قناعاته الخطيرة المعاندة والمؤدية حتماً إلى المأساة. هل هو انتحار؟ فقد تحمل بوشكين وضعه المالي السيئ في السنوات الأخيرة من حياته. بل كان يعيش تقريباً عالة على زوجته وحبيبته نتاليا التي منحته الحب وأربعة أطفال. لكنه لم يتحمل أن تسرق منه بسبب نزوة عابرة. كانت نتاليا امرأة جميلة، وأنيقة وهشة عاطفياً. أغراها ضابط ألزاسي البارون جورج شارل دو هيكيرين دانتيس le baron Georges-Charles de Heeckeren d'Anthès. أصيبت به بسرعة، وأصبحا يلتقيان كثيراً، لدرجة أن لقاءاتهما أصبحت حديث الخاص والعام. حاول بوشكين أن يثني نتاليا، لكنها ظلت تنكر هذه العلاقة.

تربيتها المحافظة لم تمنعها من السقوط بين ذراعي هذا الضابط. لم تبق أمام بوشكين إلا المبارزة دفاعاً عن شرفه وعرض زوجته، لكن الضابط الألزاسي أقنع بوشكين بأنه لا داعي، لأنه مغرم بأخت نتاليا وليس بنتاليا، وأن شكوكه غير مؤسسة. وكل حلمه أن يتزوج أختها. ذلك ما حدث بالفعل. لم يكن بوشكين ينتظر إلا ذلك ليرتاح داخلياً. وتم تفادي المبارزة القاتلة. في الحقيقة، لم يكن ذلك كله إلا مسرحية من الضابط ليكون قريباً من نتاليا. وكثر الغمز واللمز من حول بوشكين. وكثرت الرسائل التي كانت تأتيه وتؤكد علاقة زوجته بالضابط. وفي 25 يناير 1837 المصادف لـ6 فبراير 1837 بالتقويم الغريغوري، طلب من الضابط البارون المبارزة بالسلاح الناري. التقى الرجلان في ضواحي مدينة سانت بيترسبورغ، بمحاذاة بحيرة تشيرنايا (البحيرة السوداء).

لم تكن المبارزة متكافئة. كانت فعلاً جنوناً انتحارياً أكثر منها مبارزة. تلقى بوشكين الرصاصة القاتلة في بطنه. مات على أثرها بعد يومين في بيته، رافضاً أي تدخل طبي. ألبسته نتاليا طقماً أنيقاً، قبل أن يأتي أحبته وأصدقاؤه لتوديعه الوداع الأخير. وبسبب الخوف من الجماهير التي أحاطت بيته بالمئات، تم نقل مراسم الصلاة على جثمانه من كنيسة سانت إيزاك (القديس إسحاق) إلى معبد منقذ الصورة المدهشة temple du Sauveur de l'image miraculeuse بسانت بيترسبورغ. ثم دفن في أرض عائلته وذويه. خصه النحات الكبير ألكسندر أوبيكوشين بتمثال كبير في موسكو لا يزال قائماً حتى اليوم، دشنه أول مرة، ديستوفسكي وتورجنيف في 1880. كان بوشكين عاشقاً للأوبرا في تقاليدها الفنية المأساوية. فكتب الأميرة البجعة الجميلة. حولها ريمسكي كورساكوف في سنة 1900 إلى أوبرا. وكذلك الديك الذهبي، في سنة 1909 كتب روسالكا، حولها إلى أوبرا، دارغوميسكي في سنة 1856. والفارس البخيل في سنة 1906.اية كيف لرجل شاعر كبير أن يموت من أجل امرأة عشقت غيره، الأمر الذي أفقد المبارزة معناها الأخلاقي. دافع بوشكين عن أي قيمة باستثناء أنانية مرضية؟ المؤكد أنه مات من أجل شيء وحده كان مقتنعاً به وسار في أثره حد التلاشي.

عندما ذهب بوشكين إلى المبارزة، كان يعرف جيداً مآله، لكنه أصر على ذلك حتى الموت، مثل دونكيشوت عندما خاض وحيداً حرب طواحين الهواء التي ظل مقتنعاً بأنها مجاهدة ضد الشياطين. ألم يقل سيرفانتيس على لسان دون كيشوت: حتى عندما نهزم في حرب غير متكافئة، فلنا على الأقل شرف خوضها. فقد آمن بوشكين بحبه لنتاليا حتى النهاية. قد يكون في ذلك بعض الرومانسية، لكنها رومانسية العاشق الصادق. الحب في النهاية، باستثناء كونه معادلات مخية كيمياوية بحسب الدراسات المخبرية الباردة، فهو قيمة روحية إنسانية لا يمكن أن تتحرك بردود الفعل والأحقاد، وإلا سيصبح قيمة عادية مثل بقية القيم الإنسانية. المبارزة الانتحارية الأخيرة لبوشكين هي حالة من حالات التمادي في الحب مهما كان الثمن الذي يُدفع.