في حديث للرسول، صلى الله عليه وسلم، يقول: (يسروا ولا تعسروا وبشروا ولا تنفروا)، ويختصر هذا الحديث سلوكاً اجتماعياً واقتصادياً وعلى كل المستويات. فالبشارة لها تأثير إيجابي في حياتنا، لا حدود لها على صعيد التحفيز، والتيسير في كل شأن له ما له من راحة ودافع للفرح. إن الثورة الصناعية الكبرى التي بدأت بالقرن التاسع عشر، كان الهدف منها تيسير الحياة على الناس، بدءاً بوسائل التنقل، ثم توالت بعدها الوسائل الأخرى، الاتصالات والتعليم، إلى أن وصلنا إلى العصر الذي أصبح الإنسان فيه لا يستغرب أي خبر عن اختراع مقبل، فقط يسأل متى يتم إنتاجه ويصل، لقد غابت الدهشة التي كانت عند جيل الثمانينات. والبشارة قبل حدوث الأمر هي أمر طيب لها فرحتها التي لم تتم بعد، وهناك البشارة التي ينتظرها الإنسان، كأن يبشر بمولود جديد، أو نجاح في امتحان أو تكريم أو جائزة، حتى إن من ينتظر خبراً قادماً، يسأل البشارة من القادم، وأحياناً القادم قبل الخبر يقول البشارة فيمتلئ المكان بالفرح على كلمة بشارة. والقرآن المعجز استخدم كلمة البشارة للمؤمنين والمسلمين والصابرين، ولكنه بموضع استخدمها بنقيض ما ألفته العرب، للتوبيخ والتحقير، حين يقول (وبشر الذين كفروا بعذاب أليم)، فالعذاب لا يبشر به عادة، ولكن القرآن بأسلوبه المتفرد وبلاغته له أبعاده في التعبير عن كل حدث أو له غاية ودلالات من الأسلوب المتنوع، فهناك بشارة في الخير وهناك بشارة بالشر حسب الموقف. وفي علاقاتنا الاجتماعية لا بد من أن تكون البشارة حاضرة، ليتعافى المجتمع من التشاؤم وما يتركه من إحباط في النفس البشرية، وفي المناحي الاقتصادية تفعل البشارة إعلامياً مفعول السحر، في حركة الاقتصاد الذي يكون في الكثير من الأحوال تابعاً للإعلام حين يحركه ويشجعه للنجاح، كما يكون تابعاً له في أحيان أخرى. الفرد على مستوى الأسرة هو المحرك الأول لبث الطاقة الإيجابية، وعلى مستوى المجتمع يكون الإعلام هو المتحكم في تلك الطاقة لخدمة المجتمع، وكثيراً ما يقال لي عن الخوض في موضوع مليء بالطاقة السلبية، وأشعر بأن الكلمة أمانة، وأن المبدع يجب ألا يكون حامل مبخرة التشاؤم في المجتمع، بل على النقيض من ذلك لا بد للكاتب والإعلامي أن يكون رافداً في المجتمع لكل الإيجابيات، فمن السهل البكاء على الحليب المنسكب، وربما يكون الأصعب أن نجعل من هذا الحليب بشارة خير، كما هي عادة بعض المجتمعات، حين تسكب القهوة قالوا بشرة خير، إن انسكب الماء قالوا خير، ربما كانت الحكاية في الأصل أن هناك من سكب قهوته ولم يرد المضيف إحراج ضيفه، فقال إن سكب القوة خير، فتغيب عن الضيف حالة الحرج التي قد تعتريه. سكنتُ سكنتُ في منفاي بعد فراقها دهرا معي زادٌ من الأشعارِ والأحلامِ والذكرى معي في جعبةِ الأيامِ ما كانت به أدرى *** يمرُّ الصيفُ تلو الصيفِ لم أدرك به قطْرا وتشتلُ حولي الأيامُ صبراً حاصداً صبرا ومن غير انتظارٍ لي لها نادتني البشرى