بعد تسلمه مفاتيح البيت الأبيض بفترةٍ وجيزة، أمر الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالبدء في تنفيذ أحد أهم وعوده الانتخابية، والذي يقضي ببناء جدار فاصل على طول الحدود مع المكسيك، للحدّ من أعمال تهريب المخدرات والمهاجرين غير الشرعيين. وعلى الرغم من أن المكسيك مشهورة بالعصابات المسلحة، وجرائم القتل، وتجارة الممنوعات، إلا أنني سأتذكرها دائماً على أنها أرض التاكو والصلصات التي جعلت الشاورما ألذ، وقبّعات القش العريضة، والجميلات اللواتي لفحتهنّ الشمس، والمسلسلات التي بدأت في طفولتنا وكبرنا قبل أن نصل إلى حلقتها الأخيرة. بعد النجاح الباهر الذي حقّقه الجزء الأول من فيلم Sicario والذي رُشّح لثلاث جوائز أوسكار، يطلّ علينا الجزء الثاني بعنوان Day of the Soldado حيث تستمر الحرب الشرسة ضد المهرّبين المكسيكيين، وفي حين كان الجزء السابق يركز على مكافحة تهريب المخدرات، فإن هذا الجزء يلقي الضوء على قضية تهريب المهاجرين والإرهابيين عبر الحدود المشتركة، مما يدفع بالحكومة الأميركية إلى التصعيد والقتال بلا شروط هذه المرة، مع محاولة إشعال الفتنة بين زعماء (الكارتيل) سعياً لزعزعتهم من الداخل والقضاء عليهم نهائياً. يقول الكاتب الروماني شيشرون: «القتلة لا يبحثون عن فلسفة، بل يبحثون عن أجورهم». ما يميّز فيلم Sicario هو أنه ينقل إليك الصورة من دون تزييف، ففي حرب الجريمة يسقط الكثير من المثاليات والأخلاقيات، ولا وجود لصراعات تقليدية بين الخير والشر؛ بل معارك مبنية على المصالح والأجندة التي تضعها الحكومات وتتنصّل منها إذا دعت الحاجة. لا يظهر الجندي الأميركي هنا بصفته الملاك الطيب، كما في بعض الأفلام التي تحاول تجميله ببعض الأخلاقيات والنوايا الحسنة والسلميّة المرفقة بموسيقى الحلم الأميركي، بل يظهر بحقيقته كرجل حرب متجرد من العواطف، وقد يعذّب أسيراً أو يلطّخ يديه بدماء بريئة في سبيل انتزاع معلومةٍ ما، فهذه هي حقيقة الحرب، وهذا ما يجعل فيلم Sicario قريباً من الواقع. حين أحاول تحديد الشعور الذي يطغى عليّ أثناء مشاهدة الفيلم، لا أجد غير كلمة واحدة: الخوف. فبينما تركز بعض أفلام الجريمة والأكشن التقليدية على إمتاع المشاهد بأكبر قدر ممكن من طلقات النيران والانفجارات ومطاردات السيارات والمشاهد الدموية؛ فإن Sicario يتخذ نهجاً مغايراً، فهو يعتمد على عنصر الهدوء المشبع بالخطر، والترقّب المليء بالحذر، فالخوف الحقيقي لا يكمن في لحظة إطلاق النار؛ بل في الفترة ما بين سحب الزناد وإطلاق الرصاصة، وهكذا يبقى المشاهد مشدوداً ومشحوناً بالتوتر طوال الفيلم. نميل دائماً للمقارنة بين أفلام السلسلة الواحدة، وفي رأيي أن الجزء الأول من Sicario يتفوق بفارقٍ طفيف. نقطة الضعف الأبرز في الجزء الثاني هي في انحراف القصة من حرب كبرى منتظرة إلى حدث جانبي يصبح مركزياً فجأة، لكن ركاكة السيناريو في هذه النقطة تعوّضها براعة الإخراج والتمثيل، وتجدر الإشارة إلى أن مخرج هذا الجزء هو Stefano Sollima بينما كان Denis Villeneuve هو من أخرج الجزء الأول. أما فيما يخص الممثلين فلم تكن إميلي بلانت حاضرة هذه المرة، واقتصرت البطولة على النجمين بينيسيو ديل تورو وجوش برولين. إذا استمرت سلسلة Sicario لجزءٍ ثالث؛ فيجدر بالسيناريو أن يكون مقنعاً، وإلا فسيتحول الفيلم إلى عمل تجاري يُنسينا جديّة الأجزاء السابقة، وإن كانت القصة تتمحور حول التهريب أيضاً؛ فيجدر بهم أن يسرعوا قبل أن يكتمل بناء الجدار الحدودي الفاصل بين الولايات المتحدة الأميركية والمكسيك. أو.. انتظروا قليلاً، لمَ لا يكون هناك جزء جديد عن محاولة اختراق العصابات لهذا الجدار؟