شعرت به بين يديها، ورم قاسٍ في أسفل بطن طفلها، في الأمعاء، كبست عليه فصرخ بأشدّ ما استطاع وبللت دموعه الوسادة. خافت، ذعرت، خارت قواها، سألت، فأتاها الجواب: هو فتقٌ على الأرجح. يُستخدم عادة تعبير «الفتق» للدلالة على تمزق شيء ما، سروال ربما أو قميص، لكن التعبير مختلف في المفهوم الطبي ويعني خروج جزء أو عضو ما في جسم الإنسان من موقعه الطبيعي إلى موقع آخر ليس أساساً له، من خلال فتق أو فتحة ما، وهو يتركز عادة عند الذكور في المنطقة التي تصل أعلى الفخذ بأسفل البطن، نتيجة فتحة أو انغلاق غير كامل في القناة التي تنزل منها الخصية. أسبابه وأنواعه الاختصاصي في جراحة الأطفال في «المستشفى اللبناني الجعتاوي الجامعي» الدكتور روجيه قرقماز، شرح علمياً وطبياً أسباب وأنواع وعلاجات الفتق عند الأطفال بشكل أوسع وأدق، قائلاً: «موقع المصران الطبيعي هو في البطن، ويفترض أن يبقى فيه، لكن في بعض الحالات يخرج منه عبر فتق ما، لسبب من الأسباب، ويتمدد نحو الصدر بسبب تشوّه خلقي، ويسمّى فتقاً داخلياً. ويكون سبب الفتق الطبيعي عند الأطفال، في أسفل البطن، عادة خلقيّاً. ثمة قناة تتكون مع تكوين كل جنين وهو في بطن أمه، تنزل عند الذكور من البطن إلى الخصية، وعند الفتيات من البطن إلى المبيض، وحين يرى الجنين النور تقفل هذه القناة أوتوماتيكياً. وفي بعض الحالات، بسبب حدوث خلل ما، تبقى مفتوحة فيُصبح الطفل معرضاً للإصابة بفتقٍ». نذكر هنا أن الفحوص التي تجرى عادة إثر الولادة نادراً ما تُسهم في اكتشاف هذا الخلل. ولا يمكن محو إمكانية أن يكون سبب الفتق الذي يظهر في أي عمر، حتى في العمر المتقدم، عيب منذ الولادة وربما يكون سببَه ضعف في العضلات في المنطقة التي ظهر فيها الفتق. لكلّ طارئ علاج تُستخدم في علاج الفتق عادة الجراحة الكلاسيكية والتقليدية والمنظار. وهنا قد تستغربون حين تعرفون أن الجراحة الكلاسيكية لا يزال موصى بها، ويعتبرها أطباء كثيرون أفضل من جراحة المنظار، خصوصاً لدى الأطفال، خشية أن تتأثر الأقنية والأعضاء الملتصقة القريبة جداً عند الصغار في حال استخدام المنظار. هنا يهم أن تعرفوا أن الفتق بعد العمل الجراحي لا يتكرر إلا في واحد في المئة من الحالات، ومضاعفات العمل الجراحي لا تظهر إلا عند اثنين في المئة. يفترض إجراء العمل الجراحي فور ظهور الفتق، خشية أن يؤثر سلباً في المصران والخصيتين عند الذكور أو على المبيض عند الإناث. وأسوأ ما يحصل في هذا الإطار هو أن كثيراً من الحالات لا تُكتشف إلا في مرحلة اختناق الفتق، أي عند انقطاع تدفق الدم نهائياً عن الأعضاء، لذا يجب التنبّه إلى الحالات المماثلة باكراً والعلاج السريع، فور اكتشاف الحالة حتى لو كانت الأعراض بسيطة، قليلة. وأول من يكتشف هذه الحالة عادة هي الأم التي تشعر بكتلة متحجرة في أسفل بطن طفلها الذي يبكي بشكلٍ متكرر شبه مستمر. ويكون العلاج في إعادة الفتق إلى مكانه الصحيح، لأنه في حال أهمل قد يُصاب المصران بالاهتراء ويضطر الطبيب إلى قطع جزء منه. الذكور أكثر عرضة يُصيب هذا الخلل بين 10 و20 طفلاً من كل ألف مولود جديد. والذكور أكثر عرضة للإصابة، بمعدل أربعة ذكور مقابل فتاة واحدة، وتظهر 50% من الحالات قبل بلوغ الطفل عامه الأول، و60% من الحالات تظهر في الجهة اليمنى من جسم الطفل، وتعاني نسبة 10% من الحالات من وجود فتق في الميلين، من اليمين ومن اليسار، ويُطلق على هذه الحالة تسمية: الفتق الثنائي. يبقى أنه في حال خضوع طفلكم لعملية فتق جراحية، فيمكن أن يخرج في اليوم نفسه، بعد أن يصحو تماماً من التخدير، لكن يُنصح في حال كان لا يزال في سنته العمرية الأولى من المكوث مدة 24 ساعة في المستشفى. ويجب الانتباه إلى حرارته في الأيام الأولى بعد العمل الطبي الجراحي. إن دموع الطفل أشدّ إيلاماً من دموع الكبار، وهي أكثر الدموع صدقاً، لذا فلنصغِ إليها جيداً ولنقرأ في معانيها، لأنها تتضمن الكثير. خذوا الحيطة والحذر! هناك حالات تُنذر بوجود مشكلة، أو تعزز من وجود المشكلة، انتبهوا إليها ومنها: - بروز ورَم في أسفل البطن خصوصاً عند السعال الشديد. - تبدّل في لون الجلد، في موقع الفتق، إلى الأحمر. - معاناة الطفل الإمساك والتقيؤ. - حرقة وانزعاج في رأس المعدة. - مغص يشتد عند تناول الطعام ومروره في الأمعاء داخل كيس الفتق. الفتق أنواع، فمنها ما يحدث في أسفل البطن. وآخر في السرّة، على شكل ورم حولها، بسبب ضعف في جدار البطن. وهذا النوع يلتئم غالباً وحده. وهناك الفتق الفخذي الذي يحدث في أعلى الفخذ ويُسمّى «الفتق الإربي». أما الفتق الجراحي، فهو الذي ينتج عن عمل جراحي في البطن ويسبب تقرّحات.