انتابتني الحيرة قبل اختيار موضوع هذا المقال، كنت واقفاً خارج قاعة السينما وأفكّر: هل أكتب عن فيلم Hereditary الذي أماتني رعباً، أم عن فيلم Tag الذي أماتني ضحكاً؟ وبينما أنا معلّقٌ بين هذا وذاك، انتبهت إلى أنني واقفٌ أمام مجسّم ترويجي لمجموعة نساء أنيقات، واقفاتٍ باعتداد، وينظرن نحوي وكأنهن يقُلن: (نتحدّاك أن تتجاهلنا).. وكيف لي أن أتجاهلهنّ وفيهن (ساندرا بولوك) و(كيت بلانشيت) و(آن هاثاوي)؟! وهكذا؛ نفضت عن رأسي فكرة الكتابة عن الفيلمين السابقين، فقد نال العرب كفايتهم من الرعب والضحك في مونديال كأس العالم بروسيا، ووجدتُّني دون سابق إنذار أحجز تذكرة لفيلم Ocean’s 8، لأكون وحيداً في السينما برفقة ثماني نساء. في الجامعة التي تخرجت فيها ببكالوريوس الهندسة الميكانيكية، كانت لي زميلات يدرسن تخصصي نفسه ويشتكين من النظرة النمطية التي تستنكر اختيارهنّ لهذا المجال، باعتبار أنه لا يناسب الفتيات - على حدّ زعم أولئك المستنكرين - فهم يعتقدون أن المهندس الميكانيكي لا يفعل شيئاً سوى الاستلقاء أسفل السيارات في الصناعية، ولذا؛ فقد شقّ عليهم أن يتخيلوا فتاةً تؤدي دور (البنجرجي)، ولم يعلموا أنها حالياً تصمّم وتصنع وتُسهم في تشغيل مفاعلات الطاقة. استمرّ اقتحام المرأة للمجالات التي كانت حكراً على الرجال فيما مضى حتى امتدّ ذلك إلى السينما، فبعد ثلاثة أجزاء من سلسلة أفلام Ocean’s التي احتكر الرجال بطولتها؛ يُطل علينا فيلم Ocean’s 8 ببطولة نسائية خالصة من ألمع نجمات هوليوود، ليتسيّدن المشهد هذه المرة، ويخطّطن لتنفيذ عملية سرقة ببراعة تنافس أقرانهنّ من الرجال، بل وقد تتفوق عليهن، ليؤكّدن مقولة أحدهم (الشيطان أستاذ الرجل، وتلميذ المرأة). تبدأ أحداث الفيلم بخروج (ديبي أوشن) من السجن، وهي شقيقة (داني أوشن) البطل في الأجزاء السابقة، وتبدأ ديبي بجمع فريق مكوّن من نساء يمتلكن مهارات متنوعة بين خفة اليد والقرصنة الإلكترونية وصياغة المجوهرات والتهريب وغيرها، لمساعدتها على القيام بسرقة ضخمة تمكنهنّ من العيش ثريّات بقية أعمارهن، مع ضمان مستقبل أبنائهن وأحفادهن. ماذا سيسرقن؟ هنا يبرز ذكاء القائمين على الفيلم، فما دام العمل نسوياً بامتياز؛ فمن الطبيعي أن يكون الغرض المُراد سرقته شيئاً يستحوذ على قلوب النساء، وهل هناك ما هو أجمل وأثمن من الألماس؟ أفضل صديق للمرأة كما تقول الراحلة مارلين مونرو في أغنيتها (Diamonds Are a Girl’s Best Friend). متعة، تشويق، كوميديا. هذه هي العناصر الثلاثة التي بُني عليها Ocean’s 8، والتي تناسب أغلبية الأذواق، وأضمن لكم أنكم لن تشعروا بالملل أبداً طوال فترات الفيلم، فالأحداث رشيقة ومتصاعدة، والمشهد الواحد لا يدوم طويلاً، وهناك ثماني شخصيات بصفات متباينة، وبين الحين والآخر ثمة فواصل قصيرة من الضحك، وهكذا يبدو الفيلم أشبه بمعزوفة ذات رتم سريع، أو رقصة جمباز استعراضية. لعلّ عيب الفيلم يكمن في أنّ كل شيء يحدث بسهولة ووفق الخطة، حيث لا وجود للنقطة الحرجة أو العُقدة التي تؤدي إلى تعرّقك بسبب التوتر، ومع أنه من المتوقع أن تتسم الأحداث بالانسيابية في الأفلام المرحة، إلا أنني تمنيت حدوث طارئ يُضفي قليلاً من الخطورة على الربع الأخير من الفيلم. تؤدّي ساندرا بولوك دور (ديبي) وهي كبيرتهنّ التي علمتهنّ السحر، وتقوم زميلتها كيت بلانشيت بدور (لو) وهي بمثابة ساعدها الأيمن، وهذا الثنائي يبدو موازياً لجورج كلوني وبراد بيت في الأجزاء السابقة. أما آن هاثاوي فتمثّل شخصية العارضة المغرورة، المتّسمة بقليل من السذاجة التي تجعلها تبدو كطفلة، ومن منبري هذا أقول لها (العنابي يليق بك). أما المفاجأة الأبرز فكانت في ظهور المغنية العالمية Rihanna في الفيلم، ولأُصدقكم القول فأنا لم أسمع لها أي أغنية من قبل، ومن الطريف أن أسمع صوتها لأول مرة وهي تؤدي دور قرصانة إلكترونية في الفريق، ويبدو أن ريهانا تأثرت بالأجواء النسوية في كواليس فيلم Ocean’s 8 حيث انفصلت عن حبيبها السعودي مؤخراً، وقالت مصادر مقربة منها إنها (سئمت من الرجال)، ولا أستبعد أن تصعد على المسرح يوماً لتغنّي: «جعل الرجاجيل للماحي»!