لا نستطيع الكلام ولكن قد نستطيع التعبير، كلمة قالتها فنانة تشكيلية، التقطت كلمتها ولم يصلني اسمها في لمحة تلفزيونية وأنا في طريقي لركوب الطائرة، وشغلتني الكلمة، لأنها صحيحة من الناحية النظرية النقدية، فالشعر والرسم والموسيقى والسرديات كلها صيغ في التعبير وليس في الكلام، والكلام عادة خطاب يتلبس باسم قائله وتلحقه فيه كامل المسؤولية له أو عليه، ولذا كلما عجز المرء عن القول عبر الكلام لجأ للصيغ التعبيرية، لكي يرسل فكرته بتحصين فني وإبداعي، فقد يرسل فكرته عبر النكتة أو الشائعة أو القصيدة أو لوحة يرسمها ويحشوها بالرمزية كي تمر فكرته وتدخل في نظام دلالي يتعدد ومن ثم يتحصن، وتظل فيه منافذ للهروب من المساءلة بما أن الفن تعبير مجازي لا يصح تحميله محملات قانونية واجتماعية، ولهذا فإن أهم أساسيات الصيغ المجازية أنها متعددة الدلالات، وكل مجاز هو بالضرورة إشارة حرة، تعني القارئ أكثر مما تعني القائل، وكل قارئ أو مستقبل لنص من أي نوع كلمات كان أو رسماً أو نغماً فإنه يتفاعل معه بما يسقطه عليه من روحه أو من عواطفه أو من معقولاته، وهذه ما كان المتنبي يسميها بالشوارد التي ينام هو عنها ويسهر لها الخلق، وكل صيغة مجازية هي كذلك بالضرورة، ومن أبرز مظاهر هذه الصيغ كانت أسطورة أوديب أو حكاية بجماليون، أو ليلى العامرية التي كل يبكي على ليلاه وتقيس عليها غيرها من المجازيات التي أسقط عليها البشر كل تفسيراتهم الخاصة الذاتي منها والفني وكذلك العملي، كما فعل فرويد مع أوديب وحولها لنظرية نفسانية، وغيره حولها لنص فني متناسل يديم حركة المجاز وتوالده المتصل.