صُنع بالبحث والابتكار
أحياناً كل ما نحتاجه هو رحلة على بُعد ساعات بالطائرة لنكتشف وجهاً آخر للعالم وبوابة للمستقبل ميزتها أنها تجمع بين قِدم التاريخ وإصرار عصري لبناء المستقبل وعدم انتظاره. وعلى الرغم من أن عبارتي هذه ستحضر في الأذهان وجهات وبلداناً متعددة حسب خبرات ونظرة كل واحد منّا للأمور، إلا أنني أتحدث هنا عن الصين وهذه الرحلة لمدة تسع ساعات من دبي لشنغهاي بالطائرة تصل بنا إلى أربعة آلاف عامٍ من التاريخ والعراقة وتمنحنا فرصة الاطلاع على الطريق الذي اختارت هذه الدولة أن تحوله من طريق الحرير بتاريخه العريق ليصبح طريق الحرير الرقمي للمستقبل.
لست هنا لسرد الحقائق والأرقام عن الصين، ولكن لأدعوكم لتشاركوني مجموعة تجارب استوقفتني خلال الرحلة التي اصطحبنا فيها جانب من فريق دبي الذكية وشركائنا الحكوميين لاستكشاف الدولة التي تتوقع الدراسات العالمية أن تكون موطناً لنصف المدن الذكية في آسيا وحالياً تعمل على تنفيذ مشاريع 500 مدينة ذكية وغير ذلك الكثير. وكان دافعنا هو النهج الذي أرساه لنا صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي برؤيته بضرورة ألا نكتفي بإنجازاتنا حتى وإن كانت في الصدارة ولكن نجعلها انطلاقة لإنجازات أكبر وأهم.
وبمجرد وصولي هناك حضرت في ذهني عبارة (صُنع في الصين) التي تعتبر لدى كثيرين إشارة إلى السلع ذات الجودة المنخفضة في صورة مغلوطة تُجحف هذا البلد حقّه، وهي العبارة ذاتها التي تعتبر اليوم ضمن الأكثر تكراراً أينما أدرنا نظرنا في الأسواق. فما الذي استند إليه هذا العملاق الاقتصادي في تحقيق هذه النقلة؟
وعلى الرغم من أنني كنت أسعى إلى تكوين إجابتي الخاصة لهذا السؤال من خلال مشاهداتي كما تعودت في أسفاري إلا أنني لمست ما هو أهم لنا في دبي والإمارات ككل! وهو أن التركيز على البحث والابتكار هو مفتاح المستقبل للصين ولكل دولة تريد أن تكون جزءاً فاعلاً من المستقبل. وهو ما جعل رؤية قيادتنا محط إعجابهم وانبهارهم لأننا نجحنا في وضع الإنسان وسعادته في قلب استراتيجياتنا للمستقبل.
فعندما زرنا مركز شنغهاي للترويج التقني المبتكر وهيئة منطقة مجمعات شنغهاي زانغ جيانغ للتقنيات المتطورة التي يُطلق عليها اسم سيليكون فالي الصين، وجدت نفسي أنظر إلى برنامج تفعيل خطط وطنية مثل (أجندة الإمارات للعلوم المتقدمة 2031)، حيث تعتبر سيليكون فالي الصين أكبر منطقة بحثية تضم عشر جامعات ونحو 400 مختبر أبحاث وتطوير وشركات متخصصة في التقنيات في منطقة تمتد على مساحة عشرة كيلو مترات مربعة وتضم 32 ألف خبير وهدفهم قيادة العالم في مجال التقنيات الحديثة وجعل الصين منصة لها.
والمحطة الأخرى التي استوقفتني هي إكسبو شنغهاي الذي كرّس مكانة عبارة (صنع في الصين) حيث تم تحويل تجربة الإكسبو إلى كبسولة زمنية بكل ما تحمل الكلمات من معنى بإقامة متحف رسمي له بعد انتهائه، واختيار مصممين صينيين لإبداع (الجناح) البافليون الصيني وتجسيد الحضارة الصينية في كل جزء من منطقة إكسبو شنغهاي بحيث يجعل كل من يزوره يعيش ملامح تجربة الإكسبو ذاتها.
من وجهة نظري نحن على المسار الصحيح إذا نجحنا في ترجمة مقولة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي: «نريد أن نجعل الإمارات مركزاً للعلوم المتقدمة ووجهة للعلماء والمبدعين الذين نرحب بإسهاماتهم وشراكتهم معنا في صناعة مستقبل أفضل للناس». فالبحث والتطوير الدائمان هما بوابة المستقبل وهما اللذان جعلا ترجمة عبارة صنع في الصين هي صنع بالبحث والتطوير..