حوادث عنف كثيرة بطلاتها خادمات المنازل وصلت إلى حد القتل، ضحاياها أطفال وأناس أبرياء، وتكشف سجلات الجريمة يوماً بعد آخر تنامياً للظاهرة. فهل آن الأوان للمطالبة باستصدار قانون يوجب ضرورة الفحص النفسي للخادمة؟ لا تقتصر حوادث الخادمات على مكان معيّن، فمثل هذه الحوادث عرضة لأن تحدث في كل بلاد الدنيا. «زهرة الخليج» استقصَت عن الأمر في بلدان عدة، وسألت عن حتميّة إجراء الاختبار النفسي على الخادمة قبل حصولها على ما يُفيد أهليّتها بمزاولة المهنة. وخرجت بالانطباعات التالية.

في دولة الإمارات، تُبيّن النائبة البرلمانية ناعمة الشرهان أنه من الضروري إجراء كشف أوّلي للخادمات حتى لو كان بسيطاً من قبل المتخصصين، للتأكد من صحة قواهنّ العقلية والنفسية، مُبيّنة أن هناك لجاناً في «المجلس الوطني الاتحادي»، قامت بطرح هذه المسألة قبل سنوات عدة، لوضعها شرطاً أساسياً لاستيفاء شروط الاستقدام. وتؤكد ناعمة أن الجرائم المتعلقة بالخادمات قد تدعو للقلق لكنها لم تصل إلى مرحلة الظاهرة، إذ إن الفحص النفسي وحده لن يقوم بمعالجة الأسباب التي تقوم الخادمة من أجلها بارتكاب الجريمة، مضيفة: «ذلك يعود إلى عوامل عدة تتحمل فيها كل الأطراف مسؤولية هذه المشكلة، فأرباب البيوت مشغولون بمصالحهم المادية مما يجعلهم يقصّرون في دورهم الأسري. من ناحية أخرى، وبسبب العمل وأمور أخرى، تخلّت أمهات كثيرات عن دورهنّ الأمومي والبيتي، إضافة إلى انتشار روح الاتكالية لدى الأبناء». قانون لمكاتب الاستقدام من ناحية قانونية، تُبيّن المحامية والمستشارة القانونية جوسلين خير الله أن الدوائر الحكومية التي تستوجب استصدار تأشيرة عمل، سواء أكانت شؤون التوطين أم دوائر الهجرة، هي الجهة الوحيدة التي تملك كامل الصلاحيات لإصدار تعاميم تحدّد كيفية استصدار «فيزا» العمل والشروط الملائمة لها، وتضيف قائلة: «بالطبع موضوع الفحص السريري لاستقدام الخادمات، هو إجراء إداري لاستكمال إجراء عملية استصدار «فيزا» العمل. وعليه، فإذا كانت هناك ضرورة اجتماعية لعمل فحص نفسي أو دراسة للخادمات قبل استخدامهن، فيحق للدوائر الحكومية المسؤولة عن إصدار مثل هذه التأشيرات، بسَنّ إجراء لازم لعمل فحص نفسي قبل صدور الإقامة». الفحص غير مُجدٍ حول مسؤولية مكاتب الاستقدام في التقصير، بشأن إجراء فحص نفسي للتأكد من استقرار حالة الخادمة، وضرورة إعادة النظر في الإجراءات بهذا الخصوص، يرى موظف في مكتب استقدام في دبي محمد ربيع، أنه من غير المجدي أن يتم إجراء فحص نفسي للعاملات في المنازل قبل استخدامهن، مفسّراً رأيه بالقول: «الفحص قد يُظهرهن سليمات لأنهن يعشن في بيئاتهنّ الطبيعية، ولكن ما يحدث بعد ذلك أن الظروف تتغير، فتأتي الخادمة لتعيش في محيط غريب عنها، فتجد صعوبة في التأقلم معه، وقد تتم معاملتها بسوء أو تُجبَر على العمل لساعات طويلة، فهي كلها ضغوط تؤثر في نفسيتها وتغيّرها وتقودها إلى أن يتولد العنف في سلوكياتها، فتجنح إلى الإجرام حتى لو جاءت سليمة مئة في المئة، يُكمل قائلاً: «الحل في يد الأسر التي يجب أن تتعامل بإنسانية مع الخادمات، وألّا تشكل لهنّ أي مصدر لضغط خارج طاقتهن، وبالتالي ممارسة دورهن في بيئة سليمة». في لبنان.. الاختبار النفسي «معلّق» حتى إشعار آخر! تتخذ القرارات المتعلقة بصحة العاملات الأجنبيات في البيوت اللبنانية، وزارة العمل في لبنان، فهي التي تحدد الشروط وتصدر المذكرات، مُطالبة مثلاً بالتشدد في إجراء فحص «السلّ» في كل مرة يتجدد فيها العقد، أو بضرورة إجراء الصورة الإشعاعية للصدر مرتين متتاليتين في المستشفيات الحكومية أو الخاصة والمختبرات المرخّصة من وزارة الصحة. هي تقرّر وتعطي رخصاً ووزارة الصحة تبدي الرأي وتوافق. هل هذا يعني أن وزارة الصحة لا تتدخل واقعياً في كل المشهد الصحي السريري والنفسي المتعلق بالعمال الأجانب في لبنان؟ جواب وزارة الصحة حاسم: الموضوع من مسؤولية وزارة العمل، التي عليها أن تقترح على وزارة الصحة ما يتعلق بصحة العمال الجسدية أو النفسية. ملف اجتماعي عن الخادمات الخبير النفسي المحلّف لدى المحاكم في لبنان روجيه بخعازي يُراقب ارتكابات العاملات الأجنبيات في الخدمة المنزلية ويحلّل الوقائع والنتائج، لكنه يستبعد في بحثه عن الحلول إمكانية إقرار صدور شهادة طبّية بخلوّ العاملات من الأمراض النفسية لسببين: أولهما أن الاختبار النفسي الواضح والدال يجب أن يتألف من اختبارات متتالية «فهو ليس فحص دم ولا بولاً ولا صورة إشعاعية»، ويشرح: «لا نستخدم في الأساس كلمة فحص على الاختبار النفسي بل رائز نفسي. ويضيف: «نتيجة الاختبار النفسي على العاملة في الخدمة المنزلية ليست نهائية مبرمة. فبعض الخادمات نراهنّ ممتازات وفجأة يتلقين اتصالاً من مكان ما، أو يتعرضن لحادث ما، فيتصرفن بشكل هستيري ويرتكبن فظائع. وتوقع إمكانية ارتكاب إحداهن جريمة ما محال عبر اختبار نفسي، لكن، عند تحليل الشخصية يمكن اكتشاف إمكانية قيامهن بالانتحار. لكن هذا يحتاج إلى جلسات نفسية لا إلى اختبار سريع كما اختبار التيفوئيد». مدوّنة سلوك تُحبّذ المحامية أليس كيروز سليمان، التي أسهمت في الحث على تشريع وإقرار قوانين عدة، على أن يلحظ عقد عمل الخادمة وجود «مدوّنة سلوك» تكون بمثابة شهادة حُسن سلوك تكون كخطوة أولية، بديلة عن شهادة الطب النفسي التي تستدعي إقرار قوانين تتطلب أعواماً حتى تُقرّ. مضيفة أن الفحوص الصحية المخبرية والإشعاعية ضرورية، لأنها تسبب أمراضاً مباشرة، في حين أن الروائز النفسية قد لا تُظهر شيئاً سلبياً في البداية، لهذا لا يوجد تشريع فيها، ناهيك عن أن أغلب الجرائم التي حدثت تمّت بعد أكثر من عام على التعاون مع العاملة. ونتيجة لذلك، فحالات فرار العاملات الآسيويات في لبنان كثيرة. حالات الانتحار تتكرر. جرائم تحصل. والأرقام في الموضوع شبه غائبة. أما الاختبار النفسي فليس حتى هذه اللحظة أولوية. في الأردن.. ربع الخادمات هاربات في الأردن وفي إحصاءات رسمية، يصل عدد الخادمات الهاربات بحسب إدارة الأجانب والحدود إلى نحو 26 ألفاً من أصل 70 ألفاً، هو مجموع الخادمات المستقدمات، إضافة إلى 20 ألف عاملة موجودات من دون الحصول على تصاريح عمل سارية المفعول، هذا ويستقدم الأردن سنوياً من 15 إلى 20 ألف عاملة، تبعاً للمصدر نفسه. وبحسب مصادر أمنية، فإن عدد الجرائم المرتكبة بين عامي 2015 و2017، تزيد على 24 ألفاً، أكثر من 4 آلاف جريمة ارتكبها وافدون من جنسيات مختلفة، بنسبة 14.5% من مجمل القضايا المرتكبة. وتخضع العمالة المهاجرة في الأردن لنظام الكفالة، إذ يقوم صاحب العمل بصفته كفيلاً (أو مكتب التوظيف) باستقدام العامل من بلده، عبر مكاتب التوظيف في البلد المرسل، ويكون الكفيل مسؤولاً عن نفقات سفر العامل كافة، وتوظيفه لدى الجهة التي طلبته. على من تقع المسؤولية؟ يشرح نقيب أصحاب مكاتب استقدام العاملات في الأردن خالد الحسينات الأمر، ويقول: «إذا نظرنا إلى الأسباب التي تقف وراء السلوك الوحشي لبعض الخادمات اللاتي اقترفن جرائم القتل في حق أبرياء، فمن الصعب أن يُعْزَى ذلك إلى سبب واحد، ويستلزم الأمر دراسة تستهدف التحليل العلمي لشخصية الجاني وخلفيّته الاجتماعية والثقافية». ويشدد الحسينات على ضرورة أن تتوزع المسؤولية بين الأسرة في متابعة العاملات في المنازل، ومكاتب استقدام العاملات في ضرورة تعديل شروط العقود، على أن تقوم الجهات الرسمية بتتبع البيانات الشخصية والسجلات الأمنية للعاملات الوافدات، بل وحتى صحتها النفسية وسلامتها العقلية. ويتفق مع هذا الرأي مدير عام المركز الوطني للطب الشرعي الدكتور قيس القسوس، الذي يؤكد ضرورة التحرّي عن السجل الأمني للعاملة، وحتى في حال سلامته، لا بد من خضوعها لفحوص واختبارات تؤكد سلامتها النفسية. سلامة السجل الأمني بدورها، ألقت وزارة العمل الأردنية بمسؤولية ازدياد جرائم عاملات المنازل والعمالة الوافدة على وزارة الداخلية؛ لتساهلها في الاتفاقيات المبرمة مع الحكومات المصدّرة لهذه العمالة، كما صرّح لنا الناطق الإعلامي للوزارة محمد الخطيب. ويشير إلى تقصير وزارة الداخلية قبل إعطاء هذه العمالة الإذن بالعمل، من حيث عدم طلب ما يُثبت خلوّ سجلها الأمني من أي سوابق جنائية وطلب أوراق تثبت عدم محكومية. ويقول الخطيب: «إن مسؤوليتنا تقتصر على منح تصاريح العمل لهذه العمالة، ويبقى إذن دخولها بيد وزارة الداخلية». ويضيف: «شكّلنا بدورنا كوزارة لتجنب حدوث المشكلات بين العاملات وكفلائهن، والتي تنتهي بالجريمة أحياناً، لجنة تجتمع بشكل دوري، تعمل في إطار إنهاء جميع مشاكل العاملات الموجودات في السفارات من كل الجنسيات، فضلاً عن لجنة أخرى تجتمع يومياً في مديرية العاملين في المنازل، بالتعاون مع نقابة مكاتب الاستقدام والسفارات المعنية، للوقوف على مشاكلهن». في مصر.. إجماع على ضرورة الفحص النفسي كابوس الخادمات المجرمات أصبح واقعاً مُخيفاً، خاصة بعد تكرار العديد من الحوادث على أيديهن بحق أطفالنا، فمهما كانت الأسباب والدوافع، يظل الأذى مترسخاً في ذهنيّة الطفل والعائلة، فبين فينة وأخرى يصطدم المجتمع بقضية تكون عاملات المنازل طرفاً فيها، لتظهر الدعوات لإجراء مزيد من التدقيق والفحص عند استقدام من سيتم ائتمانهنّ على الأموال والأطفال. ومع غياب الفحص النفسي للخادمات والاكتفاء بالفحص السريري فقط، نقرأ كل يوم عن مقتل رضيعة أثناء نزاع بين خادمة ومربية، وقيام خادمات باغتصاب أطفال ومعاقبتهم بشكل سادي. وغيرها. لجنة مختصة بإجراء الفحص تقول أستاذة علم النفس الاجتماعي في المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية، الدكتورة سوسن فايد، إنه ما دامت هناك ظاهرة تؤرق المجتمع، فمن الضروري أن تكون هناك إجراءات ضد تفشّي تلك الظاهرة، مشيرة إلى أن الباعث لتلك الظاهرة هو في الأساس «نفسي». لذلك لا بد من تشكيل لجنة متخصصة في السلوك النفسي، لإعداد التقرير الخاص بكل خادمة بعد خضوعها لفحوص نفسية عدة. وأكدت فايد ضرورة التأكد من وجود درجة من الخُلق والضمير و«الأنا الأعلى» بشكل قوي لدى الخادمة، لكي لا تضعف تحت طائلة «اللّاضمير»، وذلك من خلال عمل اختبار «الضبط النفسي». وأشارت فايد إلى ضرورة قياس مدى قدرة الخادمة على الصبر والإخلاص، والتأكد من وجود غريزة الأمومة لديها، مُحذرة من مغبّة ترك الأمهات أطفالهن مع الخادمات باستمرار، لأن الخادمة حتى إن كانت «سويّة»، فهي ستكون المسؤولة عن تكوين شخصية الطفل، لذلك يجب أن تكون الأم قريبة من طفلها لكي تُسهم في تكوين شخصيته وحالته النفسية بشكل عام، فخطر الخادمات لا يقتصر على قتل الأطفال فقط. تطبيق الفحص النفسي وحول دور وزارة الصحة، قالت رئيسة أمانة الصحة النفسية في وزارة الصحة، الدكتورة منن عبد المقصود، إن الوزارة لا تُمانع من وجود فحص نفسي للخادمات قبل تركهن مع الأطفال، خاصة في ظل الحوادث المتكررة التي نراها. وأضافت عبد المقصود أن وزارة الصحة غير منوطة بإقرار الفحص النفسي على الخادمات قُبيل استقدامهنّ، لأن الوزارة ليست إلا جهة تنفيذية أو استشارية.