حياتنا هي مجموعة من المواسم، والحديث عن المواسم يقودنا للفصول الأربعة، والتي تعود بنا إلى مدرس الجغرافيا، حين أخبرنا ذات حصة في يوم غابر من القرن الماضي، بأن هناك أربعة فصول في السنة بها أربعة مواسم. لم نكن وقتها وصلنا إلى سكان الإسكيمو لنعرف أنهم يعيشون ستة أشهر في نهار، وستة أشهر في ليل، ولم نكن وقتها قد عرفنا تايلند والدول المجاورة لها، التي تعيش درجة حرارة ثابتة طوال السنة، باختلاف درجتين لا أكثر. ولم نكن وقتها قد عرفنا أوروبا لنكتشف المعنى الأجمل للربيع، وهو صيف أوروبا، والربيع الجميل في بعض الدول العربية، أي أن أغلب سكان الكرة الأرضية لا يعيشون الفصول الأربعة، كما أراد لنا مدرس الجغرافيا أن نعرفه، ولكنهم يعيشون فصولاً متوازنة تعودوا عليها. والتوجه الإعلامي لكل دولة يبرز المواسم بما يتلاءم مع الدولة، ففي الخليج يتم الحديث في الصيف عن السفر، وتنشط مكاتب السياحة والفنادق بالترويج، وتكثر أحاديث المجالس عن السفر، بينما في الشتاء الجميل يكون الحديث عن السفر مستهجناً، وكثيراً ما نسمع، (حد يترك هالجو ويسافر). بينما في أوروبا يكثر الحديث عن السفر في الشتاء، فما إن تنزل بواكير الثلج، حتى تنتشر الإعلانات الترويجية للسفر للدول الدافئة، ومنها الإمارات والخليج عموماً، ويصبح الثلج طارداً إلى المناطق الجبلية أيضاً في اتجاه مغاير للدفء. فتنشط منتجعات التزلج وتصبح ذروة السياحة في دول كثيرة. ونحن إن لم يكن لدينا تغير مناخي كبير، ولكن فكرة المواسم نعيشها بدقة متناهية، فما إن ينتهي موسم الصيف والسفر، تجد ما يسمى موسم المدارس، أو العودة للمدارس، يعيش هذا الموسم الجميع حتى من لم يتزوج وينجب، فالأسواق والمحلات الكبيرة والمولات تضع شنط المدارس ومعدات الدراسة في الرفوف الأولى، والإعلانات في كل مكان عن المدارس الخاصة حتى تجد أن من ليس يعنيه الأمر يتحصل على معومات كثيرة من مجالسة الآخرين. بعد ذلك يأتي موسم النشاط التجاري والتسويقي في الدولة، والتنزيلات والحياة الصاخبة ثقافياً واقتصادياً ورياضياً، حتى إن صديقي الشاعر كتب: بلادنا هي قبلة العالم بترولها أنفاسها الحية انحشر فيها نسل آدم غصت بمليون جنسية ثم يعود بعد ذلك موسم الصيف والسفر ثانية وهكذا هي الحياة عندنا، ألفنا ما بها من راحة وأمان واطمئنان، حتى إننا نراها هي الأنسب والأجمل والمواسم المتكاملة.

تأتين قبل كتابة الأشعارِ فاتحةً وتأتين المواسمَ والرمادْ ومعي حقولٌ لا أظنُّ الياسمين رفيقها يوماً ولكنّ الجيادْ تعدو وتصهلُ كلما عبرتْ سحابةُ وجهها *** فتشوق الحرفُ المكابرُ للحدادْ تأتين شاهدةً على المعنى وأغنيةً تكابرُ مثل أعناقِ السنابلِ في الحصادْ ما زلتِ سيدةَ الكلامِ لدي سيدةَ السكوتِ لدي سيدةَ الفصاحةِ والمدادْ