ثم ماذا لو تحدثنا قليلاً عن إي? سان-لوران؟ ليس عن صاحب الموضة والعطور الذي يعرفه الجميع، بالخصوص المجتمع النسوي. وليس عن محرر المرأة الذي قال عنها أجمل المقولات، كان يتحدث بأناقة عن جهوده في تحديث المرأة ولباسها.

الساسة حرروها سياسياً من ظلم العبودية الذكورية، وأنا حررتها من لباس ثقيل. لقد أسهمت في تغيير زمني. قمت بهذا من خلال الألبسة. طبعاً ذلك لا يرقى إلى الموسيقى، والهندسة المعمارية، والفنون والرسم... ولكن مهما يكن، فقد قمت بذلك.

المرأة في وعي إي? سان-لوران، لم تعد سيدة بيت، وظيفتها الأساسية السهر على الزوج وتربية الأولاد. فقد أصبحت جزءاً فاعلاً في الحياة العامة. التحرر من ثقل الألبسة كان يعني في أوروبا الثورة على المعتقدات والتقاليد المتسيدة التي ترى في اللباس حماية للمرأة وعرضها من الأطماع الذكورية، وليس التكوين والتثقف والتعلم، واختيار طريق التطور والحداثة. هذا كله معروف طبعاً ويشكل الجزء الأهم من حياة إي? سان-لوران، وأصبح ذاكرة مشتركة من الثقافة العامة المتعلقة بجهود الرجل.

ولن أتحدث عن هشاشته التي جعلت منه كائناً شبه أنثوي، عرضة للاعتداءات، بما في ذلك الاعتداءات الجنسية. أتحدث هنا عن شاب آخر فيه شيء منا جميعاً. يشبهنا في هواجسنا، ورومانسيتنا الثورية وأحلامنا المتخفية. لقد ولد وكبر في مدينة وهران بالجزائر، في الحقبة الاستعمارية. وبقي فيها حتى أصبح عمره 17 سنة. قبل أن يقرر مغادرتها والالتحاق بالميتروبول، باريس.

ظلت وهران في ذاكرته علامة للحب والكره في الوقت نفسه. كانت أصغر من طموحاته الكبيرة. ويراها مدينة لم تخلق على مقاسه الكبير. لكن وهران هي أيضاً مدينة حواسه الأولى، التي تفتحت كلها على الروائح والعطور الكثيرة، الطبيعة الجميلة بكل مكوناتها المختلفة. الجبل العالي سيدي عبد القادر الذي يحتضن المدينة، بهوائه المحمل بندى سانتا كروس، علامة عن الثقافة الإسبانية التي امتزجت بالحياة الوهرانية.

فقد ظلت وهران مدينة إسبانية طوال فترة حروب الركونكيستا أو الاسترجاع، التي شنها الملوك الإسبان على السواحل المغاربية. تأثر بالغيم الزهري الذي يشبه وروداً جميلة، بعطر الملوحة والبحر، برائحة الأسواق الشعبية في لا باستي la Bastille التي يمتزج فيها العطر الشرقي والبهارات المختلفة التي لا تزال دكاكينها موجودة حتى اليوم، بالعطور الفرنسية للسيدات الأوروبيات اللواتي يجدن لذة كبيرة في عبور المكان الذي تملؤه رائحة الصابون الصحي، المصنوع من زيت الزيتون، والعطور الطبيعية المحلية.

كان إي? سان-لوران شاباً عاشقاً للحياة وكارهاً للحروب الاستعمارية. الجزائر، وطنه الذي ولد وكبر فيه، تعيش حرباً دامية. عندما دعي للتجنيد العسكري الإجباري، مثل كل شبان زمانه، فكر طويلاً في الاعتذار ولكن أي اعتذار عندما يتعلق الأمر بخدمة العلم؟ وهو الحالم والمحب للموسيقى والحياة والفنون. لا حل أمامه، إلا الهرب أو التجنيد. فهرب إلى باريس قبل أن تصدر السلطات العسكرية الفرنسية مذكرة توقيف ضده. وجد نفسه فجأة في باريس. من هناك بدأت رحلة إي? سان-لوران.

بعد صعوبات كثيرة وخيبات ثقيلة التحق بكريستيان ديور قبل أن يفتح داراً له. هناك بنى حياة جديدة داخل الحب، واكتشاف لذة العيش والموضة. في عمق حياة مخملية ظل فيها برفقة صديقه برجي حتى الموت. في كل هذا، بقي إي? سان-لوران معلقاً في أعماقه على الضفة الأخرى وشمسها وتاريخه الخاص.

وكان من الصعب عليه العودة إلى وهران في نهاية حياته بسبب الذاكرة الحربية، فاختار مدينة مراكش التي تذكره بجنوبه المفقود. اشترى بيتاً جميلاً هناك. فيلا ماجوريل، أو حدائق ماجوريل. رماده اليوم مدفون فيها. صدفة الهرب من الخدمة العسكرية كانت وراء إمبراطورية إي? سان-لوران التي نزلت إلى الشارع في 1971، ولم تبق حكراً على الأغنياء.

يقول: حاولت أن أثبت أن الموضة فن. مشيت على نصائح معلمي كريستيان ديور، والدرس الخالد للآنسة شانيل. أبدعت لحِقبتي وزمني، وحاولت أن أستبق الغد. سؤال أخير: كيف سيكون إي? سان-لوران لو لم يكره الحرب، ويهرب من وهران إلى باريس، وقبل بالتجنيد الإجباري في الجزائر؟ ربما لكان جنرالاً بائساً ومنسياً؟