لا يمكننا حين الكتابة عن الأناقة التي بحثت عنها المرأة الشرقيّة صاحبة السّلطة والجاه والنّسب؛ إلا أن نتطرّق لما ارتدته من ملابس مطرّزةٍ بالذّهب أو الفضّة يمكن اعتبارها قطعاً فنيّةً نفيسةً وجميلةً وقيّمةً، فسعت إلى التّميّز بمظهرها، حالها في ذلك حال الملوك والسّلاطين والأباطرة والأثرياء. ففي مصر القديمة عرف الفراعنة وزوجاتهم وطبقة النّبلاء الألبسة المطرّزة بالفضّة والذّهب والمُحلّاة بالجواهر، كذلك الأمر بالنّسبة لطبقة النّخبة في حضارات وادي السّند، وفي بلاد الرّافدين وحضاراتها، وفي حضارتي الصّين واليابان. لاحقاً عرف السلاطين العثمانيّون ونساؤهم والطّبقة العليا من المجتمع الأقمشة الفاخرة المشغولة بالذّهب والفضّة، والتي أطلقوا عليها اسم (تَلِّي)، ومنها ظهرت عدّة أنواع من التطريز أو الطِّراز، كالصرما والكيرما والجاكار. ونقل العثمانيّون ذلك التّطريز إلى المناطق التي سيطروا عليها، كما وصل إلى الهند عن طريق المغول فسُمّي (بَادْلَة)، ومع انتقال هذا الفنّ إلى المنطقة العربيّة أصبح اسمه (تَلِّي) أو (مْنَقَّد)، ليتربّع التّلِّي الأسيوطيّ في مقامٍ عالٍ من حيث جمال الشّكل، ومهارة الصّنعة، وكميّة الفضّة المستخدمة، وهو ما تؤكّده معظم الصّور القديمة التي التقطت لسيّدات ارتدين أثواب التَّلِّي الأسيوطيّ. قبل عدّة قرونٍ اشتهرت تركيا والهند وإيران بصناعة (التَّلِّي) من الفضّة الخالصة بعرضٍ لا يزيد على 3مم، ومنها استُورد لحياكته مع التّول الأسود في أسيوط، ولتُزيَّن شِيَل التُّوْل أو (التُّوْر) كما يسمّى في منطقة الخليج العرييّ، لكنّ هذه الشِّيَل بقيت حكراً على الثّريات نظراً إلى ارتفاع ثمن الفضّة. لاحقاً دخلت ألمانيا مجال صناعة التَّلِّي من شرائطَ نحاسيّةٍ مفضّضةٍ، وصنعت فرنسا التَّلِّي المذهّب الّذي يمتاز بلمعانه وجودته ومرونته، كما صنعت التّشيك تَلِّي أكثر عرضاً قلّما يستخدم، وأنتجت الهند والصّين وباكستان أنواعاً رخيصةً وقليلة الجودة، بعضها من النّايلون وبألوانٍ متعدّدة. وبالعودة إلى أغطية الرّأس المشغولة بالتَّلِّي فقد سميّت في دول الخليج (شِيْلَة مْنَقَّدَة/ مْنَغَّدَة)، ربّما لأن التَّطريز يشبه العُملة المعدنيّة، أو بسبب ارتفاع ثمنها، فكلّما كثُر التّطريز زاد سعر الشّيْلَة الّتي كانت تحرقها المرأة عندما تعاني ضائقة ماديّة؛ لتستخرج ما فيها من فضّة أو ذهب وتبيعه. واتّخذت الشِّيَل المْنَقَّدَة في الإمارات أسماءً محليّةً تتوافق والأشكال المُطرّزة على أطرافها ووسطها، ومنها: شِيْلَة (أم كازوة) وتطريزاتها كحبّات الكاجو، و(حبّ الهيل) وتطريزاتها تشبه حبّات الهيل، وتطريزات (بُوْ قَفَص) عبارة عن مربّعات مكرّرة، و(دُوْسِة المُوْتَر) تشبه النقش الموجود على سطح العجلة المطّاطيّة، أمّا تطريز (المَنْثُوْرَة/ المْطشّش/ نَفّ المطر) فيشبه شكل طشّ المطر، وثمّة شِيَل مْنَقَّدَة تجمع بين شكلين أو أكثر من التّطريزات النّباتيّة والهندسيّة، والّلافت أنّ اسم (التَّلِّي) بات يطلق على الشّرائط والقماش المشغول معاً. وعلى الرغم من بساطة الأشكال المطرّزة على التُّول؛ إلّا أن الشِّيْلَة المْنَقَّدَة من أجمل الأغطية التي ترتديها المرأة الخليجيّة، فهي تكشف عن مدى اهتمامها بالأزياء الأنيقة الّتي استطاع الشّعراء توظيفها كمفرداتٍ فيما أبدعوا ويبدعون. مِثِلْ شَكْلَه يَا مَلَا مَا رِيْتْ بِي لَابِسْ الشِّيل الـمْطَشَّشْ يَا سَلَامْ