كانت مصر خلال الأربعينات من القرن الماضي تُعتبر ثاني سوق في العالم لبيع التحف الأصلية بعد فرنسا، ولكن مع بدء الألفية الثالثة أصبحت تجارة «الأنتيكات» في مصر تعاني ركوداً شبه تام بات يهددها بالانقراض. ومع ذلك لا يزال شارع هدى شعراوي في وسط البلد يحتفظ بسمعته كموطن لهذه التجارة، حيث يضم الشارع متاجر بيع «أنتيكات» عدة، تمتلئ بالقطع الأصلية ذات التاريخ العريق، سواءً أكان لجهة صنعها أم هوية مالكيها السابقين. عبَق التاريخ في متجره الصغير في شارع هدى شعراوي، يتحدث الحاج حافظ عبد العزيز (55 سنة)، عن بداية عمله في تجارة «الأنتيكات»، مشيراً إلى أنه قبل أكثر من 40 سنة بدأ بشراء التحف القديمة والأنتيكات من أصحاب القصور والفيلات الذين كان أغلبهم من الأجانب، وكانوا يبيعونها بأسعار بخسة نظراً إلى اضطرارهم إلى السفر. ويتابع موضحاً أن «تجارته كبرت تدريجياً واتسعت حتى أصبح لديه محل للتحف والأنتيكات، يحتوي على كل ما هو قديم وله قيمة حقيقية، ومنها ما له تاريخ عريق». ويُضيف الحاج حافظ أن «معروضاته من الأنتيكات كانت دائماً تجذب انتباه الزبائن المصريين والعرب والأجانب على حد سواء». الفرنسية الأغلى ويؤكد الحاج حافظ أن الأنتيكات الفرنسية القديمة تُعتبر الأشهر والأغلى، إذ تتسم بالشغل اليدوي الدقيق، مشيراً بالقول إلى أن: «ال?ازات أو المزهريات، خاصة الأصلية المصنوعة من خزف الـ(سيفر)، هي أغلى الأنتيكات التي يتعامل بها، إذ قد يصل ثمنها إلى مئات الآلاف من الجنيهات، فضلاً عن القطع الأصلية والنادرة من الساعات والمناضد التاريخية القديمة التي لا تُقدّر بثمن، والشمعدان المذهّب والنحاسي، والنجف الذهبي الفرنسي». ثروة حقيقية وعن كيفيّة حصوله على التحف، يُبيّن الحاج عبد العزيز، أنه بعد أن كان يحصل على بضاعته من القصور والفيلات القديمة، صار يستورد بعض التحف المصنوعة في الخارج. ويعتبر الحاج «أن التحف التي كنّا نشتريها من القصور القديمة كانت تمثل ثروة حقيقية لمن يمتلكها، وتزداد قيمتها بمرور الأيام»، ويضيف: «أحضر أيضاً وبشكل دائم عدداً من المزادات التي تقيمها صالات العرض العريقة في مصر وخارجها، حيث يمكنني الحصول على ما أراه مناسباً لتجارتي». ارتفاع الأسعار ولدى سؤالنا عن سبب ارتفاع أسعار «الأنتيكات» والتحف، يُرجع الحاج عبد العزيز الأمر إلى عاملين رئيسيين: الأول ندرة تلك القطع بعد أن اختفت الطبقة الأرستقراطية من مصر، موضحاً أن تلك الطبقة كانت تشتري القطع القيّمة من مزادات خارج مصر لتضعها في بيوتها. والعامل الثاني هو القيمة الفنية للقطعة ذاتها، وتاريخ صنعها ومدى أصالتها وهوية الأشخاص الذين صنعوها أو صُنعت لهم والذين كانوا يمتلكونها. قطع مُقلّدة وفق الحاج عبد العزيز، فإنه في إمكان الخبراء التعرف إلى القطع الأصلية من القطع المقلّدة بسهولة. لهذا عندما تساوره الشكوك حيال قطعة ما فإنه يستعين، بحسب ما يُخبر، بأحد أصدقائه لتقييم القطعة قبل شرائها. ويتابع الحاج عبد العزيز مشيراً إلى أن بعض الزبائن ونتيجة شغفهم بالأنتيكات، أصبحوا خبراء في هذا المجال، وباتوا قادرين على تقييم القطعة التي يرغبون في شرائها بمفردهم. وهؤلاء لا يمكن خداعهم بسهولة على حد تعبيره. ويوضح الحاج أن القطع المقلدة لا يتعدّى سعرها في أغلب الأحيان نسبة 10% من سعر القطعة الأصلية، مبيّناً أن قيمة القطعة ليست في حجمها، إذ ثمة الكثير من التحف ضخمة الحجم لكنها غير ذات قيمة، ولكن في المواد التي صُنعت منها مثل الذهب والفضة، بالإضافة إلى الطريقة التي صمّمت فيها أو نفّذت بها، أو لكونها فريدة من نوعها، وهذا ما يحدد سعرها الخاص. تحف صينية الصنع وعن تأثير التحف المقلدة صينية الصنع في بيع التحف الأصلية، يقول الحاج عبد العزيز: «ما جعل شراء الأنتيكات متاحاً لجميع الطبقات، هو أن التحف المقلدة دخلت الأسواق، وخاصة تلك الآتية من الصين. وبالتالي بات ممكناً شراء بعض التحف الجميلة حقيقةً بسعر بسيط، وأصبحت التحف المقلدة تحظى بإقبال الآن لأسباب عدة، منها قلة المعروض من القطع الأصلية، وارتفاع أسعارها في ظل الأزمة الاقتصادية الحالية، إضافةً إلى أن الزبائن الذين يطلبونها أغلبهم من الشباب الذين يرغبون في وضعها كقطع ديكور أنيقة في منازلهم، بغض النظر عن قيمتها التاريخية. فالقطع المقلدة تقل قيمتها بمرور الوقت وبعد تداولها بين أكثر من شخص، بعكس القطع الأصلية التي يزداد سعرها كلما مرّ عليها الزمن، بل وتصبح مطلوبة أكثر». العرب والأثرياء وعن أبرز الزبائن الذين يُقبلون على شراء التحف والأنتيكات من متجره، يكشف الحاج عبد العزيز عن أن أغلبهم من العرب أو أبناء الطبقة الثرية في مصر، فضلاً عن بعض الإعلاميين والممثلين والسفراء ومحبّي جمع التحف. لكنه يغمز إلينا بالقول «إن أكثرية من يأتي إلينا هم من الهواة، وبجانبهم تجار من مدن أخرى يأتون لشراء بعض المعروضات بهدف بيعها والمتاجرة بها، لأن تجارة التحف والأنتيكات تجارة مُربحة جداً». ويختتم الحاج عبد العزيز كلامه، مُعتبراً أن موسم الصيف، لاسيّما شهر يوليو، موسم الشراء بالنسبة إلى محلات التحف والأنتيكات في مصر، نظراً إلى إقبال السياح من مختلف دول العالم على زيارة مدينة القاهرة في تلك الفترة.