كنت قبل أيام في استقبال الروائية الجزائرية أحلام مستغانمي، وقد كانت في أبوظبي، وزارت مقر «زهرة الخليج»، التي تسكن في صفحتها الأخيرة منذ ما يزيد على الـ17 عاماً. انتظرت اللقاء مع كاتبتي. معظمنا يعيشُ تجربةً شخصية مع عناوين الروايات وأبطالها وخيوطها ونسيجها أثناء القراءة. وأحياناً يجسّد خيال الكاتب واقع القارئ عند نقطة معينة. أمام كاتبة ثلاثية: ذاكرة الجسد، وفوضى الحواس، وعابر سرير، وعلى ذكريات الضجة التي أحدثتها أحلام مستغانمي في تسعينات القرن الماضي، استعدت ملامح صورة بطل، ظلّ حاضراً في ذاكرتي منذ سنوات طويلة. وكنت أريد أن أروي لأحلام مستغانمي قصة قصيرة جداً عن رواية طويلة، مثّلت الجزء الأول من الثلاثية، مشروعها الروائي المهم. قصتي عن تجربتي في قراءة «ذاكرة الجسد». التي لم تستغرقني صفحات كثيرة في بدايتها، لأستسلم لها حتى النهاية. لا أنسى أنني لم أخرج من البيت ليومين. وكنت ولا أزال مسحورة بالبطولة النادرة في شخصية «خالد بن طوبال»، الرسام والمناضل الجزائري، الذي عاش الخسارات والفجائع، بدءاً من فقدان ذراعه، وضياع أحلامه، وحُبه لـ«حياة» التي قد تشبه الحياة في غموضها وتناقضها، وهي تقع في عشق «زياد» الفلسطيني المناضل، وصديق «خالد بن طوبال»، لتنتهي زوجة لـ«مصطفى» أحد أركان الفساد، في خلاصة كانت قاسية ومحزنةً بالنسبة لي. تذكرتُ «خالد» و«سي طاهر» و «حياة» وآخرين، بينما كانت أحلام مستغانمي تتحدث عن باريس والجزائر والأمكنة والجامعات التي تُدرس فيها رواياتها، وقاطعتها أنني تأثرت وبكيت كثيراً، عندما مات «بن طوبال» في الرواية، ربما لأنها بطولة الخيال، تلك التي تشدنا إلى تفاصيل الحكاية من أولها. في لقائي مع أحلام، أرادت أن تقول لي إن الكاتب مثل القارئ يقع في حب شخصياته الروائية، ويظل يعيش السرد كأنه حياة، مؤكدة أنها عاشت مثلي مع «بن طوبال» سنوات طويلة في أدق تفاصيل حياتها. وتأثرت برحيله عندما قررت وفاته روائياً. تواصل أحلام مستغانمي مشروعها في الكتابة، وتنهمك بفكرة كتابة سيرتها الذاتية، فأكثر ما تخشاه أن يكتب غيرها عن حياتها، فتصبح سيرة أخرى، بلغة أخرى، لا تشبه أبداً لغتها الشعرية، وتجربتها المختلفة في السرد العربي الحديث.