«مستحيل، لا يمكن لأنك فتاة»، عبارة بسيطة لكنها أطلقت شرارة التحدي لدى أول إماراتية درست تخصصات هندسية عدة في آنٍ واحد، ونالت شهادتين في البكالوريوس، وشهادتين مختلفتين في الماجستير من أعرق الجامعات الأميركية، ثم العمل بشكل متفرغ وكامل في أضخم مشروع في العالم. هي ميثاء محمد الشمري، التي تُحدثنا عن رحلتها والمصاعب التي واجهتها في طريقها التي سارت عليها، محفوفة بالعديد من الصعوبات سردتها لنا في هذا الحوار: في بداية حديثها تحكي ميثاء: «في طفولتي كنت أحلم بأن أكون مهندسة أو طبيبة وأحياناً رائدة فضاء، أو أكون دبلوماسية أمثل بلدي في المحافل الدولية، ولكن في المرحلة الثانوية قررت أن أختار مجال الهندسة، وبالفعل أصبحت مهندسة استثنائية، كوني دمجت تخصصات عدة، منها الكهربائية والإلكترونيات، الحاسوب، الميكانيكية، والنووية». إحباطات حول تحقيق حلمها وعملها مهندسة تصميم للأنظمة النووية منذ خمس سنوات في مشروع براكة للطاقة النووية، تؤكد الشمري «على الرغم من دعم أسرتي الكامل لطموحاتي لم يكن الوصول إلى هذا الموقع سهلاً، ولطالما واجهتني المصاعب التي تمثلت في التقليل من شأني وتكرار عبارات مُحبطة من هنا وهناك، حينما اخترت أن أقوم بدراسة تخصصين هندسيين مختلفين في آنٍ واحد، حتى المرشد الأكاديمي في الجامعة قال لي: «مستحيل، أنت فتاة عربية ومسلمة، وحتى الفتيات الأميركيات لم يقمن بفعل ذلك، فبالكاد يتمكنّ من التخرج بتخصص هندسي واحد خلال خمس سنوات، أراهن أنك لن تتمكني من ذلك وسوف تفشلين حتماً، الهندسة صعبة والذكور يواجهون صعوبة في دراستها، بل والكثيرون يستسلمون ويغيرون تخصصاتهم إلى خارج كلية الهندسة، حتماً لن تنجحي في ذلك». وتتابع: «لكني لم أنظر إلى هذه العبارات السلبية إلا كحاجز كبير يتطلب مني القفز فوقه عالياً جداً، فلديّ إرادة فولاذية، وواثقة بنفسي وعزيمتي قوية، ففعلت ذلك بنجاح وتميز، وكان صدى خطواتي يفوق توقعاتهم». أمر أساسي عن إجادتها التحدث ست لغات بطلاقة، تشرح ميثاء بالقول: «في الثالثة من عمري بدأ والدي بتعليمي اللغة الإنجليزية والعربية ولغات برمجة الحاسوب بشكل مستمر، ومن بعدها اكتشفت أن لديّ قدرة كبيرة على الحفظ والاستيعاب بسهولة، فبدأت بتعلم لغات أخرى مثل اليابانية والكورية، وكنت حينها ما زلت في المرحلة الإعدادية». وتتابع: «حينما ابتعثتني الدولة ضمن الطلبة المتميزين علمياً للدراسة في أميركا، شغلت نفسي خلال وقت فراغي بتعلم لغات أخرى مثل الصينية، إضافة إلى اللغة الإسبانية، إذ إن تلك اللغات تُعتبر أمراً أساسياً لكيفيّة التعامل مع الناس، وذلك بسبب سفري المتواصل الذي أقوم به لدول عديدة، للوقوف على متطلبات العمل». دعم لا محدود وفيما يتعلق بقدرة المرأة الإماراتية على خوض مجالات فيها تحديات، تُبيّـن: أنا أؤمن بأن الإماراتية قادرة على اجتياز أي تحدٍّ بتميّز، بل وتتفوق على نظيراتها في الدول الأخرى مع الحفاظ على عاداتها وتقاليدها، وأن تدخل كذلك وبقوة في مجالات العلوم والهندسة والتكنولوجيا، وهي محظوظة جداً لأن لديها قيادة حكيمة تدعم طموحاتها وتمكنها من خوض جميع التحديات. لا يخفى بأن الإمارات تحتل المراكز الأولى دوماً في جميع الإحصاءات العالمية، كأفضل دولة في العالم تدعم المرأة وتُمكّنها. نتائج باهرة أبرز ما تعلمته ميثاء من تجربتها في الدراسة في أميركا توضح «المجتمع الأميركي مليء بأناس من مختلف الجنسيات والثقافات والديانات، وهذه بالنسبة إليّ فرصة قيّمة قمت باستغلالها لكسب المزيد من المعرفة ونقل تجاربهم المفيدة إلى بلدي. تعلمت أنّ مَن جَدّ وَجَد، حيث إن الكثير منهم دؤوب ومخلص ويتقن عمله، ودائماً يضع خططاً وأهدافاً وأحلاماً أمامه ليحققها على مدار حياته، فتعلمت أن التخطيط السليم يؤدي إلى نتائج باهرة إذا اقترن بالعمل الجاد والإصرار والمثابرة». حياة عادية وسط مسؤولياتها الأكاديمية والعالمية الاستثنائية، تعيش الشمري حياتها كفتاة طبيعية، فتبيّن قائلة: «على الرغم من ازدحام جدولي اليومي بالأعمال، إلّا أنني دائماً أقوم بتنظيم وقتي لإيجاد التوازن بين العمل والدراسة، والحياة الاجتماعية. فأنا أجيد الطبخ، وأمارس حياتي كأي شابة، محافظة بذلك على أنوثتي، إضافة إلى ممارسة هواياتي في القراءة والفروسية». وتضيف: «صحيح أن تخصصي صعب ولديّ طموح عالٍ، ولكن هذا لن يكون عائقاً أمامي في سبيل تكوين أسرتي يوماً ما. وأنا أرى أن تربية الأجيال القادمة ستكون مهمة أسهل بالنسبة إليّ، كوني خضت تجربة صعبة جداً أكسبتني الكثير من الدروس، وكلمة مستحيل لا توجد في قاموسي».