تلاحظين، سيدتي، أن بعض وصفات كتب الطبخ تعطي وقتين: وقتاً للطبخ التقليدي، ووقتاً للطبخ في قدر الضغط، أو «حلّة الضغط». مثلاً: «اتركي هذه الأكلة أو تلك على النار 30 دقيقة في الطنجرة العادية أو 15 دقيقة في قدر الضغط». فلماذا ذلك التفاوت في مدة الطبخ، بما أن المواد نفسها، والمقادير ذاتها، وطريقة التحضير إياها؟ طبعاً، الجواب في السؤال: إنه الضغط. ولا نعني الضغط النفسي أو ضغط هذا اللوبي أو ذاك أو ضغط المدرب على لاعبي فريقه، وما شابه من أنواع الضغوط «المجازية». إنما نشير إلى الضغط حرفياً، كمفهوم فيزيائي. فلماذا يؤدي الضغط الفيزيائي إلى تعجيل الطبخ؟ حين تسلقين قطع جزر في كمية ماء في طنجرة عادية، ترتفع درجة حرارة الماء إلى أن تبلغ درجة الغليان، وهي 100 درجة مئوية مثلما هو معروف للجميع. وتدركين أن لا داعي إلى رفع شدة النار تحت الطنجرة حالما يغلي الماء، سواء أكان الطبخ على الغاز أم الكهرباء أم الفحم أم الحطب أم أي محروق. في تلك الحال، يظل الماء في درجة 100 مئوية، إنما يتبخر بصورة أسرع، بينما لا تأبه قطع الجزر، وتظل مصرّة على أخذ وقتها لكي تكون جاهزة، من خلال امتصاص حرارة الماء المغلي المغمسة فيه. وطبعاً، لا ينطبق ذلك على الجزر وحسب، إنما أيضاً البطاطا والكوسا والباذنجان واللحوم والدواجن وأي ما يُطبخ لكي يُؤكل. الآن لو وضعتِ الجزر، أو الغلال الأخرى المذكورة أعلاه، في قدر الضغط، فهنا تدخل على الخط معادلة فيزيائية، مفادها أن درجة الغليان، لأي سائل، ترتفع كلما ارتفع الضغط. فالماء يغلي في درجة 100 عندما يكون الضغط طبيعياً، أي 1013 هكتوباسكال. لكن الضغط يصل في حلّة الضغط إلى نحو 2000 هكتوباسكال. لذا، ترتفع درجة غليان الماء إلى زهاء 120 مئوية. ولولا صمام الأمان المزودة به، لارتفع الضغط داخلها أكثر وأكثر، ومعه درجة الغليان. سوى أن من الأفضل تفادي تلك الحالة، تحت طائلة حصول انفجار.

وما قد يثير الاستغراب هو أن اختراع قدر الضغط يعود إلى القرن الـ17. أجل، فالفيزيائي الفرنسي دني ?ا?ان Denis Papin، المعروف بأبحاثه عن ماكينة البخار، كان أول من صنع نموذجاً لحلة الضغط، وجربها بنجاح. حصل ذلك في عام 1679. ثم أدخلت تعديلات وتطويرات تدريجية إلى أن دخل الاختراع عالم التسويق على نطاق أوسع بدءاً من عام 1939، إثر عرضه في معرض نيويورك الدولي. وفي سنوات 1950، انخفض سعر الآلة الجديدة، فارتفعت شعبيتها وأصبحت في متناول عدد أكبر من العائلات.