حتى وقت قريب كانت قراءة كلمة (صُنع في مكان ما) كفيلة أن تصحبنا في رحلة لبلد لم نكن قد زرناه مسبقاً وترسم له صورة قد تفوق واقع ذلك البلد روعةً، كلّ ذلك نتيجة التجربة المرافقة لاستخدام الجهاز أو التقنية ومدى إتقان صنعه وغيرها من الخصائص. وهو ما جعل التفوّق في الصناعات التقنية مفتاح كثير من الدول للعالمية ودخول قلوب الناس وعقولهم. ولكن اليوم مع الثورة الرقمية ومستوى الخيارات والاطلاع الذي أتاحه الإنترنت وخاصة التسوق الرقمي، اختلفت الصورة وأصبح التفوق ليس للدول أو المدن التي تصنع التقنية أو تمتلكها فقط، بل أصبح الدور الأكبر لتلك القادرة على منحها معنى في حياة الناس وهو ما أحب أن أسميه (أنسنة التقنية)، وهو ما ولّد فئة جديدة من العمل الدبلوماسي هو الدبلوماسية التقنية. فلم تعد الدبلوماسية محصورة بمهنة السفير وغيرها من درجات المهام في وزارة الخارجية بالدول، ولكن اليوم كل واحد منّا في مجاله تقع عليه مسؤولية في بناء صورة بلده وهو ما وصفه صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة في إحدى كلماته بـ«كلّنا سفراء الإمارات نحمل واجب إعلاء شأنها وعلينا مضاعفة الجهد لتبقى في قلب المشهد العالمي بنهجها المتميز وقيمها وطموحاتها». هذه الأفكار رافقتني في كل رحلة عودة من مهمة رسمية بالخارج نتيجة فئتين من التعليقات كنت أتلقاهما، الفئة الأولى كانت انبهاراً من قادة ومسؤولين أجانب بقصة دبي الذكية التي ترويها امرأة عربية، وكيف نجحنا خلال وقت قياسي في بناء مدينة ستكون الأذكى والأسعد في العالم، وكيف ربطنا التقنية بسعادة الناس. والفئة الثانية هي تعليقات من يتابعون أنشطتي على منصات التواصل الاجتماعي ومشاركاتي بكل هذه الفعاليات ويتساءلون عن علاقتها بدوري كمدير عام لدبي الذكية. وجاء الرد على هذه التساؤلات في المسمى الوظيفي لشخص التقيته في إبريل الماضي هو كاسبر كلينج (Mr. Casper Klynge) الذي قدّم نفسه كأول سفير تقني في العالم عينته الدنمارك في مايو 2017 ومهمته هو تقديم الوجه المشرق تقنياً للدنمارك حول العالم. يُسجّل للدنمارك السبق في استحداث هذا المسمى الدبلوماسي الذي يستحق كلّ تقدير، لكننا في الإمارات بشكل عام ودبي بشكل خاص نجحنا على مدار أكثر من 17 عاماً مضت في تقديم الدبلوماسية التقنية للعالم من دون أن نمنحها مسمى بعينه، ولكننا جعلنا من التجارب المعيشية والإنسانية التي بنيناها بتوظيف أحدث التقنيات منصة دبلوماسية جعلت دولتنا بوابة العالم للمستقبل. سعيدة برحلة الدبلوماسية التقنية التي أقودها كل يوم وهو دور يستطيع كل واحد منّا أن يبتكره في مجاله.