أحاول إعادة النظر في علاقتي بالنوم. أحياناً يُصيبني الأمر بالذعر، فثلث حياتنا يمضي في السرير. هل النوم راحة؟ أم هدر للعمر و«موت صغير»؟ أذكر عنوان فيلم شاهدته قبل عشرين سنة: «سيكون لنا مُتَّسع مِن الموت للنوم». في الإسلام، النوم هو أخو الموت، حتى إنّ الرسول (صلى الله عليه وسلم) كان إذا استيقظ صباحاً قال: «الحمد لله الذي أحيانا بعدَمَا أمَاتنا وإليه النشور الحمدلله الذي عافاني في جسدي ورد علي روحي وأذن لي بذكره». غير أن هناك مَن بَرْمَج حياته للاستفادة مِن كلِّ ساعات عمره، وسرق وقتاً من نومه لـيُطيل يومه. وثَمَّة مَن يُضيف مِن يومه لليله.. فكأنّه يعيش لينام! يحضرني من النموذج الأول مارغريت تاتشر، رئيسة وزراء بريطانيا السابقة. لم تكن «المرأة الحديديّة» تنام أكثر من أربع ساعات، ويقال إن الحريري كان يسابق الزمن ولا ينام إلا قليلاً لتجسيد حلمه بلبنان جديد. بينما كان نابليون يكتفي بساعتين من النوم، ليتمكّن من غزو العالم. ومثله الفقراء إلى النوم برغم ثرائهم، أولئك الذين يحتاجون إلى البقاء مستيقظين بتوقيت كل بورصات العالم، لإدارة أعمالهم، ولا ينامون أكثر من ساعات مسروقة من أرقهم. شخصياً، وجدت عزائي في آينشتاين، الذي كان ينام عشر ساعات، ولم يمنعه ذلك من إنجاز أكبر الاختراعات. ماذا لو كان النوم أبا الاختراع وأُم الإبداع؟ فكثير من الاختراعات وُلِدَت أحلاماً. أمّا أجمَل الإبداعات، فتلك التي يُمليها الحُلم ويكتبها العقل كما يقول جان كوكتو. طبعاً، في هذه الفتوى تبرير لكَسَلي وحُبِّي للنوم، ولا أرى لمصيبتي مِن خلاص، إلاّ في اختراع طريف فاز بالجائزة الأولى، خلال حفل دَرَج علماء يتمتعون بروح الفكاهة على إقامته بموازاة جوائز نوبل، لكن.. لأطرَف وأغرَب الأبحاث والاختراعات. الجائزة مُنِحَت قبل فترة لمُخترع لمُنبِّه يدقّ ثمّ يركض ليختبئ، حتى لا يقوم مستخدمه بإغلاقه والعودة إلى النوم. وهو ما أفعله كل يوم، حتى انتهى بي الأمر إلى وضع المنبّه خارج غرفتي، وتركِ الباب مُوارَبَاً كي أُضطر إلى الذهاب بضعة أمتار لإيقاف زعيقه.. إلى أن وجدت الحل في إحضار مُنبّه كبير أحمر، بصوت قوي يتزايَد حَدّ إيقاظ بناية، كنت في الإمارات أستعين به في رمضان للصلاة أو للسحور، واستأذنت عزيزتي أم حارب في أخذه إلى بيروت عساه يعيد برمجة مزاجي المتكاسل.

* ** ثمّ، ها قد جاء رمضان، شهر لياليه بألف شهر، يتسابق المؤمنون فيه على قيام الليل، ويجاهدون أنفسهم لأداء صلاتي التراويح والتهجد، تقرباً إلى الله وطمعاً في الظفر بمكاسب أبدية. «لله قومٌ أخلصوا في حبه .... فأحبهم واختارهم خُداما قومٌ إذا جنّ الظلام عليهِمُ .... قاموا هنالك سُجداً وقياما يتلذذون بذكره في ليلِهم .... ونهارهم لا يَبرحون صياما» إنّ «أفضل الأعمال ما أكرهت عليه النفوس» فالإنسان لم يفطر على هجر النوم وقيام الليل إنما هي عادات يحببها لك الإيمان، فمجاهدة النفس أولى صفات المؤمن. لذا قال أحد الصالحين «شرف المؤمن صلاته في سواد الليل والزهد في ما بأيدي الناس». إنه درس جميل في التقوى، كما في إدارة الحياة للفوز بنفس قنوعة مطمئنة. فالنفس إن عودتها على القناعة اكتفت، وإن شجعتها على الجشع أفسدها الطمع. وكذلك العين إذا عوّدتها النوم اعتادت، وإذا عوّدتها السهر اعتادت.. وأمنيتي أن يغيّر رمضان عاداتي!