«إلى متى يا ربّ تنساني، إلى الأبد؟ إلى متى تصرف وجهك عني... هلليلويا. إلى متى تهجس في نفسي مثيراً الأحزان في قلبي مدى الأيام. إلى متى يتعالى عدوّي عليّ، هلليلويا. انظر إليّ، استمع لي أيها الرب إلهي، أنر عينيّ لئلا أنام نومة الموت... هلليلويا. لئلا يقول عدوّي لقد قويت عليك...». تستغرق هذه الترتيلة التي أطلقتها حديثاً السيدة فيروز بصوتها، أربع دقائق بالتمام والكمال، وكأنها من خلالها تدق ناقوس الخطر، بكلام فيه الكثير من الخشوع، وبشعر أشبه ما يكون بالصوفي، الموضوع على لحن كنائسي بيزنطي مع كورال من ذوي الخبرة في مرافقة الصوت الملائكي. أنه صوت جمعت فيه كل مشاعرنا منذ سنوات، واحتفظت بها في قلب من ذهب وجواهر ثمينة. عمل له سنوات عدة يرى النور الآن وبالحديث عن عمل فيروز الجديد، ترتيلة «إلى متى يا رب»، علمت «زهرة الخليج» أن السيدة فيروز أدتها منذ سنوات في إحدى الكنائس اللبنانية البعيدة والنائية، خلفها صورة للسيد المسيح متألماً، وهي التي دأبت منذ سنين طويلة، على اختيار مكان بعيد في كنسية بعيدة، لترتّل بصوتها صلواتها في الفصح المجيد. لكن الآن، قرّرت ابنتها ريما عاصي الرحباني، أن تخرج إلى الأسماع في كل مكان، صوت فيروز وهي تبتهل إلى الله، وتشكو باسمنا قلّة حيلتنا أمام عدو غاصب، يحتل بيت المقدس، وأرض الأديان في فلسطين، والقدس الشريف، متضامنة مع الفلسطينيين بعد قرار نقل السفارة الأميركية للقدس مؤخراً. لم تذكر فلسطين ولكننا عرفنا وحول ترتيلة «إلى متى» يقول لنا الناقد جمال فياض: «لم تذكر فيروز لا فلسطين ولا القدس في هذا الابتهال، لكننا عرفنا كيف ننسب هذه الترتيلة الكنائسية، وكلنا فهمنا الرسالة التي تريد أن ترسلها ليس لنا فحسب، بل للعالم أجمع. «انظر إليّ، استمع إليّ أيها الربّ إلهي... أنر قلبي، إلى متى يتعالى عدوي عليّ». بهذا الخشوع للربّ، تشكو فيروز قلّة حيلتنا. بصوت ما زال شديد البأس عندما يقع على القلوب. بصوت ما زال يثير في القلوب الدفء والحنين. هذه هي فيروز، أطال الله في عمرها. مفاجأة تأتي في الوقت المناسب. وفي اللحظة المناسبة. في شهر رمضان، تبتهل إلى الله سبحانه في عرشه، علّ الصوت يصل أسرع وأبواب السماء مفتوحة، والشياطين مصفّدة. صوّرت المخرجة ريما عاصي الرحباني هذا الفيديو في تلك اللحظة المليئة بالإيمان والخشوع، ووضعت عليه لمساتها كمخرجة لها قدرة عجيبة على انتزاع الإعجاب بالبساطة، معها أدواتها، ومعها فيروز بالصوت والصورة وكلّ الجبروت، الطاغي على محبيها. «هلليلويا»، عبارة تسبيح وحمد الإله الواحد، ومعناها اذكروا الله، هذا في اللغة العبرانية. تبتهل وترجو رب البشر أن يلتفت إلينا، ثم تسبّح باسمه العظيم». ألم ومعاناة لكل مكان أما المؤلّف الموسيقي اللبناني الشهير جان ماري رياشي فسألناه عن رأيه في ترتيلة «إلى متى»، ليجيبنا: «لم تكن فيروز يوماً، إلا صوت الناس إلى السماء. على وقع صوتها تحلو الدعوة للسلام، ولرفع الظلم. هو ابتهال انتظرناه من أكثر من صوت، لكنه جاء بصوت فيروز. جاء بالصوت المناسب وفي الوقت المناسب. وعندما يطلّ صوتها، تصمت الحناجر وكل الأصوات. فصوت الصفاء مسموع أكثر، ويصل إلى أبعد من البعيد. بصراحة، لا أجد أجمل من مثل هذه المفاجأة المميزة، التي صنعت بها فيروز، لحظات رجاء لم نكن نتوقعها. مليون تحية لصوت القلب والعقل والعواطف والمشاعر الحلوة.. صوت فيروز. عندما سمعتها، تذكّرت أمراً عظيماً، أننا ما أحوجنا اليوم، إلى أن نتضرّع إلى الله نطلب منه أن يلتفت إلينا. صوت فيروز كما في كل مرّة، يذكّرنا أن نداء المحبة في صوتها وعلينا أن ننصت له. وصوت رفض الظلم في صرختها، وعلينا أن نسمعها ونتبعها. هي قالت أمراً، يصلح لفلسطين ولكل مكان فيه ألم ووجع، ومعاناة. ما أسعدنا نسمعها من جديد، فكيف إذا كانت تتوجّه بهذه الترتيلة إلى الله؟». هدية بصوتها الملائكي إن إطلاق ابتهال أو ترنيمة «إلى متى؟» يمكن أن نعتبره هدية فيروزية خاصة إلى فلسطين والقدس، وصرخة إيمانية بوجه المحتلّ وظلمه للشعب العربي الفلسطيني.