كم دفعت النساء العربيات أثماناً باهظة من حياتهن وحقوقهن وحرياتهن، بسبب موجات عاتية ومتلاحقة من الدعاة الذين انهمكوا في تجارة الدعوة، وفضائياتها وإعلامها في العقود الأخيرة، وقدموا للناس فهماً مشوهاً وقاصراً، لا علاقة له بسماحة الإسلام وتسامحه. قدموا ديناً أبعد ما يكون عن جوهر الدين الصحيح، وتلقيناً متطرفاً لم يصمد طويلاً أمام الوعي الاجتماعي، وتطور العلم والتعليم، وثورة الاتصال والمعرفة الحديثة.

الآن، نعيش عصر انكشاف الدعاة، وكساد تجارتهم التي اعتاشوا منها، ومن أعمارنا. أخص حياة العربيات، وقد كنّ الهدف الأول لآلاف الكتب، والبرامج التلفزيونية، والفتاوى على وسائل الإعلام الجديدة. وكأن هذا الداعية أو ذلك لا يجد طريقاً إلى الجماهيرية والثناء الشعبي، إلا من خلال حقوق المرأة الواضحة في الدين الصحيح، ليفسّرها، كما يشاء، تحليلاً وتحريماً، وغالباً كما يطلبه المشاهدون.

نعم. لقد تأثرت المجتمعات العربية عموماً بالتشدد في فهم الدين، وإصرار رموز الدعاة على رفض الحداثة، والتعنّت ضد الاجتهاد في شؤون حياتية معاصرة، إلا أن المرأة كانت الأكثر تضرراً، عندما لم ير فيها الدعاة التجار إلا سلعة، فكان لصوتها فتوى، ولثيابها فتاوى، ولتعليمها، ولعملها، وحضورها ألف فتوى، ثم كان ما كان من تهميش إنسانيتها وأدوارها، قبل أن تدرك كثير من الدول العربية والإسلامية خطورة تعطيل نصف المجتمع، وتسارع إلى التعليم والمنظومات الحقوقية، التي مكّنت النساء من مقاومة التطرّف والجمود.

أقول ذلك على هامش انشغال الناس بظهور بعض الدعاة في إعلانات تجارية، ولعلنا نذكر ذلك «الداعية» الذي طالب الفتاة ألا تجلس مع أبيها لوحدها، ثم رأيناه لاحقاً في أكثر من إعلان. ليعي الناس أن الأمر كان تجارة، من أجل ملايين المتابعين، ثم أصبح تجارة بوضوح كامل. والدين براء من التجارتين.

لكن الصورة ليست قاتمة أبداً، وما يحدث من انكشاف المتاجرين بالدين يصبّ في مصلحة الدين والمجتمعات، وما يحدث من تنوير على امتداد العالم العربي يجعلنا أكثر تفاؤلاً بالمستقبل، ما دمنا لا نغرق في السلبية، ونصر على رفع شارة الأمل، لأنها جوهر النصر وروحه.