الحديث عن الماضي يشكل حالة هروب من الحاضر، ليس لعيب في الحاضر فهو الرخاء الذي يعيشه المواطن الخليجي والأمان الذي ينعم فيه، على الرغم من كثرة الحرائق من حولنا. نحن الآن في رمضان ومن أكثر الأحاديث التي نشهدها في المجالس، أحاديث رمضان قديماً، والصيام والعادات الأسرية المحبّبة، وهو أمر مشروع أن يحاول الإنسان الاحتماء بالبراءة التي رحلت مع مرور العمر، ومن المعروف سلفاً أن لكل عُمر جماله ومتعته الخاصة. تعاني بعض الأسر زيادة الهوّة بين ما كان وما هو حاضر، فيما يتعلق بتقارُب الأطفال في البيت الواحد، ويرى الكثير أن وسائل التواصل تلعب دوراً كبيراً بانشغال كل فرد بعالم خارجي، على الرغم من وجود الأسرة تحت سقف واحداً، وهي حالة في العالم أجمع حسب ما أظن، وليست حكراً على مجتمع معين. تنبّهت إلى هذه الظاهرة منذ فترة، وأثناء قيامي بحجز فنادق خارج الدولة في السنة الماضية، انتبهت إلى وجود خدمة «الواي فاي» المجانية في كل فندق إن لم تكن أغلبها، وأثناء بحثي اكتشفت أن أحد الفنادق لا يقدم هذه الخدمة، فقمت بالحجز فيه بحثاً عن الخصوصية التي تريدها الأسرة في السفر. أعرف أن السفر يشكل للكثير من الأسر فرصة للتقارب بين أفرادها، فيعرف الأب ماذا يحب الأطفال، وأنواع الأكل الذي يفضلون، هناك إذن تقارُب لا يتوافر في مكان العمل والمسؤولية، تجده فائضاً في السفر وما يكتشفه الوالدان عن الأبناء خلال شهر السفر، أكثر مما يعرفانه عن الأولاد أثناء الدراسة وعمل الوالدين. كانت تجربتي بعدم توفير خدمة «الواي فاي» ناجحة تماماً، بعد سفرة سابقة لم تكن فيها الأسرة إلا جُزراً معزولة، فالجميع منشغل بالروابط والمراسلة، ومتابعة جميع التفاصيل الصغيرة التي نتابعها عادة طوال السنة، فالرحلات كانت للأطفال أمراً غير مهم، طالما «الواي فاي» موجود ويمكن الولوج إلى المواقع المحبّبة للأطفال. عانيتُ إلحاحهم على توفير الخدمة ولكني تعلّلت بعدم وجودها في الفندق، ما هي إلا أيام حتى أصبح الجميع يستمتع بما حولنا من جمال، والجميع يمارس رياضة المشي والاستكشاف، خاصة الأطفال الذي كانوا يرون الرحلات والمشي نوعاً من العقاب، إن لم يكن العذاب. لا أقدّم دعوة لمقاطعة وسائل التواصل، ولكني أبحث كالكثير من الأسر عن حل لعودة المساحات الجامعة بين أفراد الأسرة، ربما تكون هي محاولة فردية، وهكذا هي الحلول الإنسانية تبدأ بالفرد ثم تنتقل إلى الجماعية، وتتطور حتى تجد كل جماعية ما تتمناه وترتضيه. نَعَم أدري بأن الحبَّ يزرعُ في دمي وردا ويوفي دينه للشوقِ إن أغرَى به بُعدا نعم في حُبك الأشعارُ تُعصرُ طيبةٌ نِدا *** نَعَم للحب قاموسٌ نغصُّ بحصره عدا يكون الحبُّ لا ما كان لا نغتابه سردا كأن ظلاله في الماءِ لا حرّاً ولا بردا