من المسمّيات الشعبية التي تداولها الفرنسيون في الحديث عن المقصلة: «الأرملة»، «الكُوَّة»، «الماكينة»، «الدراجة»... تلك الآلة، التي يَنْصَبّ «مبدأ» عملها على اقتطاع الرأس عن الجذع بضربة خاطفة واحدة، تم تدشينها في 25/4/1792 لإعدام اللص نيكولا جاك پيلتييه.

ففي عام 1791، بادر الدكتور جوزيف غيّوتان Joseph Guillotin، الذي سُمّيت المقصلة «غِيوتين» Guillotine اشتقاقاً من اسمه، إلى عرضها على الجمعية التأسيسية. لكن مخترع المقصلة الحقيقي هو الجرّاح «أنطوان لوي» Antoine Louis، ما يفسر أنها سُمّيت في البداية «لُويزَت Louisette». إلا أن زميله غيّوتان كان متحدثاً لبقاً وخطيباً بارعاً. فتمكن من إقناع النواب «بمزايا» الاختراع. وسواء أكان المخترع هذا أم ذاك، لماذا فكر في استنباط تلك الآلة الرهيبة؟ آنذاك، كانت «الهواية الوطنية» في فرنسا تتمثل في قطع رؤوس أقطاب النظام الملكي البائد والموالين له، لاسيّما من بين النبلاء والأرستقراطيين، إضافة إلى أي من يُشتبه بهم أو يُوشى بهم ظلماً وبهتاناً. فأكد غيوتان للنواب أنها «أسرع وأضمن وسيلة إعدام، وأقلها بربرية» (كذا) على أساس «تجنيبها الألم». لذا، بعكس الشنق، لا يُقال «فلان أعدِم قصلاً حتى الموت»، بما أن زهق الروح فوري، إذ تتهاوى شفرة ثقيلة على الرأس، فتقطعه في لمح البصر. لذلك، كانوا يحلقون تماماً شعر عنق المعدوم لكيلا يُعيق عمل الآلة المروعة. اعتمد النواب «الأرملة» فعلاً. فتدحرجت رؤوس كثيرة بين رأسي اللص پيلتييه، أول «العنقود»، والتونسي حميدو جندوبي (28 سنة) آخر من قطعت رأسَه مقصلة فرنسا، في 10/9/1977، إثر تجريمه بقتل صديقته الفرنسية (21 عاماً) انتقاماً من وشايتها به. وقبله بأشهر، أعدم بالمقصلة الشاب كريستيان رانوتشي (22 عاماً)، الذي اتهم بجريمة تَبيّن لاحقاً أنه لم يرتكبها: خطف طفلة والاعتداء عليها، وقتلها قرب مدينة مرسيليا. ومن «خصائص» المقصلة أن إعمالها يتطلب 4 رجال: رئيس المنفّذين ومساعدَيْن قويَّيْن يُمسكان بالمحكوم ويضعان رأسه في الكوّة المدوّرة، وأخيراً ما دُعي «المصور». يضع الأخير أصابعه خلف أذني المحكوم ويسحبهما نحوه ليحول دون أي انتفاضة مباغتة منه تعيق عمل المقصلة، ما يُعرّضه للألم. وحالما يجد «المصور» اللحظة موائمة، بركود رأس المحكوم تماماً، يصرخ «الآن»، مُوعزاً إلى رئيس المنفذين بترك الشفرة تنهال على العنق، فينتهي الأمر برمشة عين. والسؤال العرضي: لماذا لُقب «المصور»؟ قِيل إنّ التسمية آتية من تشابُه المقصلة بآلة تصوير عندما تنطبق اللوحتان الخشبيتان وبينهما الفتحة المدورة، ما يشبه عدسة كاميرا. لكننا لا نستبعد أن السبب هو بريق الشفرة عند تهاويها مثل «فلاش» تصوير، ما يُذكّر ببيت بشار بن برد: «كأنّ مثارَ النقعِ فوق رؤوسِنا... وأسيافَنا ليلٌ تهاوَى كواكبُه».