المتزوجون منّا عاشوا تلك الفترة، وربما عدّوها الأحلى في العمر والأكثر وردية وصفاءً وألفة وآمالاً. أما غير «المتأهلين» بعد، فيحلمون بها وينتظرونها بفارغ الصبر. إنها فترة «شهر العسل». تلك الفترة المليئة بالأماني والأحلام، لماذا تدوم شهراً؟ لِـمَ ليس ثلاثة أسابيع، مثلاً، أو ثلاثة أشهر؟ وما علاقة النحل والعسل بها؟ لماذا لم يختاروا المربَّى أو الدّبس أو البقلاوة أوالكنافة؟ يُرْوَى أن أصل تقليد شهر العسل آتٍ من «بلاد الفوق»، نعني البلدان الإسكندنافية الشمالية الباردة. فلماذا اعتُمد التقليد من لدن أقوام ال?ايكنغ (أجداد الإسكندنافيين الحاليين)؟ في الأزمنة الغابرة، التي عَمّت خلالها الهمجيّة والقبَليّة في تلك الربوع، كان لا يندر أن يعمد الشاب الراغب في الزواج إلى خطف فتاته من قرية أخرى أو عشيرة أخرى. فيأخذها معه، ويخبّأها عن أهلها في أماكن تتغير باستمرار، ولا يعرف سرّها سوى شاهد زواجه، الذي يبقى بدوره سرّياً في البداية لكيلا يتعرض لضغوط أهل «العروس» رغماً عنها. عموماً، كانت تدوم شهراً تلك الفترة المتّسمة بالتخفّي و«النضال السلبي» والتهرب من السلطات الأبوية والأسرية والعشائرية والقبلية. فبعدها، كانت أسرة الفتاة تتخلّى عن البحث عنها، على أساس أن اقترانها قد تم استهلاكه، وأنها مرّت في فترة خصوبة قد تكون أسفرت عن إخصاب، ما يُعقّد الأمور في حال استرداد الفتاة، حتى إن كانوا غير راضين، يرددون «الجوازة دي مش لازم تِتِم». في الغضون تلك، اعتاد العروسان ارتشاف كأس يومياً من شراب روحي مُعتّق مُخمّر من... العسل. ففضلاً عن إحمائهما لاتّقاء البرد، القارس هناك أغلب أيام السنة، كانوا يظنون أنه يمدّ شاربه بالقوة والجلادة والمقاومة. وعلى الرغم من أن «النظرية» أعلاه هي الأكثر رواجاً لدى الأوروبيين، فإن ثمة من يشيرون إلى تفسير آخر، لا علاقة له بربوع إسكندنافيا المثلجة، إنما يشمل شعوباً مختلفة عدة، وليس قوماً معيّنين في حد ذاتهم، ويشدد على أن العادة متجذرة في التاريخ منذ آلاف السنين. فما فحوى ذلك التفسير الآخر؟ تقول هذه «النظرية» إنّ الإنسان فطن إلى أن الشهر القمري (بمعدل 29 يوماً و12 ساعة و44 دقيقة) قريب جداً، لناحية المدة، من فترة الدورة النسائية (البالغة عموماً 28 يوماً). لذا، فعقب العرس، كانوا يستبشرون خيراً خلال الشهر القمري الأول، لكونه لا بدّ أن تتخلله فترة خصوبة تامّة للعروس، ما يُبشّر بإنجاب ذرّية وتوسيع قوام الأسرة والعشيرة والمجموعة. ولرفع احتمالات حصول الحمل، عهدوا على الإكثار من تقديم العسل للعروسين، لما له من فضائل شتّى، عرفها الإنسان منذ القدم وأدرك قيمتها الغذائية و...«التكاثريّة».