أحلام مستغانمي

سنة 1971 ضجت فرنسا بقصة حب عاصفة، بطلتها أستاذة مُطلّقة أحبّت أحد طلابها، كان شاباً مُلْتَحياً وعلامات الرجولة بادية عليه، لكن تفصلها عنه خمس عشرة سنة، حيث كانت تبلغ اثنتين وثلاثين سنة، وكان الشاب في السابعة عشرة من العمر. وعندما افتضح أمر غابريل روسيه، ووجدت نفسها عرضة لإهانات المجتمع الفرنسي المحافظ، وفي مواجهة القضاء الذي حكم عليها بالسجن بتهمة استغلال قاصر، اختارت أن تنتحر اختناقاً بالغاز، مُحوّلة المجتمع إلى الجاني في حق امرأة لا جريمة لها سوى الحب.

فاجعة موت غابريل حُبّاً، علّق عليها الطالب بقوله «إنّ الحب لا عقل له»، وعلق عليها الرئيس الفرنسي آنذاك جورج بومبيدو، بأبيات للشاعر بول إليوار عن الحب، واشتعلت بها إبداعات فناني وشعراء فرنسا، فقد أهدتهم أجمل قضية يمكن للمبدع أن يدافع عنها: حق الإنسان في اختيار من يحب. فأطلق شارل أزنافور أغنيته الخالدة «الموت حباً»، وهو العنوان نفسه الذي حمله الفيلم الشهير الذي نقل القصة إلى الشاشة وأدّت فيه آني جيراردو دور الأستاذة، الدور الذي أطلقها سينمائياً. شرحت جيراردو وقتها، أن أداءها المؤثر يعود لكونها لم تكن تمثل، فقد وقعت فعلاً في حب غيناتو سلفاتوري الشاب الذي كان يؤدي دور الطالب، فقد وجدت نفسها تعيش مشاعر المعلمة، وتدافع عن حق المرأة في حب لا قيود له.

أتساءل: هل جثة غابريل التي رحلت في عقدها الثالث مختنقة بعشقها المستحيل لتلميذها، خلقت عقدة ذنب لدى المجتمع الفرنسي، كفّر عنها بتساهله في قصة أخرى لمعلمة وقعت سنة 1993، وهي في سن الأربعين، ومتزوجة وأم لثلاثة أولاد، في حب تلميذ في الخامسة عشرة من عمره، وزميل ابنتها في الثانوية.

كان الفتى إيمانويل ماكرون في الصف الثاني ثانوي، حين أعلن لمعلمته المغرم بها «مهما فعلت سأتزوجك»، وعبثاً وقفت عائلته في وجه حبه المجنون، وأرسلت ابنها العاشق إلى باريس للدراسة هرباً من «صائدة الفتيان». تزوج الشاب معلمته سنة 2007.. وبعد عشر سنوات دخل إيمانويل ماكرون قصر الإليزي كأصغر رئيس لفرنسا، مُمسكاً بيد معلمته السابقة، التي تكبره 25 سنة، الجدة لسبعة أحفاد من 3 أبناء أنجبتهم من زواج سابق.

لم يُطح حب العاشقين بحواجز السن فحسب، بل وقفز بعقلية المجتمع الفرنسي المحافظ فوق كل التقاليد والأعراف، بتقبّله قصة حب غير مألوفة. ألم يُغرّد ماكرون ذات مرة رداً على الشائعات التي تطارده وتتهمه بعيش حياة سرية «لسنا عائلة كلاسيكية هذا واقع لا يمكن إنكاره، ليس هناك غير الحب في عائلتنا».

الحب الذي قتل غابريل بعث الحياة في بريجيت، بل وفي جيلها من النساء اللائي يشكلن ثلث المجتمع الفرنسي، ووجدن في هذه الشقراء الأنيقة، رهيفة القامة، قصيرة الأثواب، التي لا تترد في الظهور بمايو السباحة على أغلفة المجلات، وهي تقبّل زوجها على الشاطئ غير آبهة بآثار الزمن على جسدها، ما يُثير إعجابهن ويحررهن من عقد العمر.

تدريجياً أصبحت بريجيت رمزاً للأناقة الفرنسية، يتنافس مصممو الأزياء في إغرائها بارتداء أزيائهم. فمعلمة المدرسة السابقة، تتمتع بذوق رفيع، وبقدرة على جذب الأضواء وجعل ما ترتديه حديث الإعلام. كفستان الدانتيل الوردي القصير الذي ارتدته في زيارتها الرسمية للهند، والجاكيت الأبيض الذي استقبلت به في عِزّ الشتاء الثلجي رئيس دولة.

مناسبة الحديث أن سيدة فرنسا الأولى دخلت في 13 إبريل عامها الخامس والستين، وهي من جعلت الأغنية الفرنسية الشهيرة «الحياة تبدأ في الستين» حقيقة لملايين النساء!