كنت وما زلت من أوائل الداعين للغناء بكل اللهجات. وكلما سمعت عن لبناني يغني باللهجة المصرية أو الخليجية، أشعر بأن أمراً جميلاً يتحقق. والموضوع ليس نابعاً من الإعجاب باللهجة الخليجية.. سعودية أم إماراتية أم كويتية فقط، بل هو محاولة تحقيق رغبة بتعزيز التقارب بيننا كعرب بعدما فرّقتنا السياسة قليلاً، والمواقف السلبية من هذا ومن ذاك.

والأهم، هي قناعتي بأننا كلما غنّينا بلهجات بعضنا البعض، شعرنا بأننا فعلاً ننتمي إلى تاريخ واحد وأمامنا مصير واحد. فنحن نتفق على حُبّ مصر بشكل خاص، ربما لأننا تربّينا على اللهجة المصرية في الأغاني والأفلام والمسلسلات. والفنان الذي غنّى باللهجة المصرية، لبنانياً كان أم سورياً أم إماراتياً حقق نجومية عربية أكثر شمولية.

وهؤلاء ليسوا في حاجة إلى جمهور بلدهم لتحقيق إقبال على حفلاتهم خارج أوطانهم. ولست أقول جديداً، إذا قلت إن حسين الجسمي حقق بالأغاني المصرية نجاحات عربية هائلة، جعلته قادراً على إحياء حفل وتحقيق إقبال كبير في مصر أو لبنان أو تونس مثلاً، من دون حاجة ليكون جمهوره الإماراتي في أي بلد يغني فيه. في حين لا يستطيع آخرون من زملائه تحقيق الإقبال الكبير، إلا بوجود جمهورهم الآتي معهم. سواء إلى القاهرة أم بيروت.

يكاد يكون الغناء السعودي والإماراتي خصوصاً والخليجي عموماً، بمثابة اكتشاف جديد للجمهور العربي خارج منطقة الخليج. ومنذ عقدين فقط، صارت الأغنية الخليجية مطلوبة ومحبوبة، ولها جمهور كبير.

فعلى سبيل المثال، لم نكن نعرف في لبنان من السعودية سوى المطربين طلال المداح ومحمد عبده، لأنهما كانا يغنيان في حفلات الصيف مطلع السبعينات من القرن الماضي، في منتجع «بيسين عاليه» مع فريد الأطرش وعبد الحليم حافظ. لكننا اليوم نعرف جيداً المطربين حسين الجسمي، راشد الماجد، عبد المجيد عبد الله، عبد الله الرويشد، نبيل شعيل وعشرات الأسماء الخليجية. لكننا إذا حسبنا من هو الصوت اللبناني أو المصري الذي أجاد غناء اللهجة الخليجية وتمكّن منها؟ لن نجد العديد من هؤلاء. فقد أجادت المطربة اللبنانية ميريام فارس الغناء باللهجة الخليجية إجادة تامة.

في حين بدت محاولات المطربات الأخريات من لبنان أو من مصر مجرّد تجارب عابرة أوصلت الأغنية ولم توصل الإحساس. وما زالت في بالي محاولة الفنان المصري الكبير هاني شاكر، التي لم يصب منها صميم اللهجة. وقد صدر للفنان المصري المخضرم ألبوم كامل فيه العديد من الأغنيات، ولم يُجد اللهجة كما يجب.

في حين أجادت المغربية المعتزلة منى أمرشا الغناء بالخليجي تمام الإجادة. لم تستطِع زميلاتها منافستها في هذا إلا قليلاً. قد تكون المحاولات غير مكتملة، لكنها محاولات ممتازة، مع الوقت ستنتج ألفة كاملة مع الأغنية الخليجية، تماماً كالألفة التي نشعر بها مع اللهجة المصرية.

يبقى أن نعود للمرّة المئة ربما، أن هاتوا لنا المزيد من الدراما والسينما الخليجية المختلطة باللبناني والمصري، والنتيجة ستجعل عجلة التقارب أسرع وأسهل. نحن أحوج ما نكون إلى اندماج عربي، نتقارب في ما بيننا بالفنون، ولنترك خلافات السياسة لأهلها. فالعروبة هي الباقية لتجمعنا، عندما نقرّر الاجتماع.