عندما قلت للمسافر الجالس إلى جواري في الطائرة، إننا في السماء بلا أسماء. وإنه ليس مُهماً أن يعرف اسمي أو يقرأ كتبي. اطمأن لفسحة البَوْح في الجو لامرأة لا تعرفه ولا يعرفها، وراح يروي لي كيف غادر بيروت منتصراً بعد أن أخذ عهداً على نفسه بألا يلتقي المرأة التي أحبها، مُصرّاً في كل تنقلاته أن تدري بأنها لم تعد موجودة بالنسبة إليه.

قلت: كل هذا دليل حب لم يمت لا دليل قوة.. ما دمت تشغل تفكيرك فيها فقد هزمتك.

أجاب: بل ما دمت قضيت أسبوعين ولم أرها فقد هزمتها.

قلت: عليك أن تهزم فكرك وقلبك لا عينيك ونظرك!

- بل هزمت ذلك الإحساس الذي يُبقيك معلّقاً، غير قادر على مقاومة شهوة اللقاء، ولا تملك شجاعة القطيعة، والذي لن تنجو منه ما لم تكسر قيدك وتقف مجدداً على رجليك.

- وهل أنت واقف حقاً على رجليك؟

- طبعاً ما دام قلبي لم يعد يقود رجليّ!

- تكمن الكراهية في قاع الحب.. أنت لمست برجليك الكراهية، وهذا لا يعني أنك شفيت، بل إن مرضك غيّر اسمه.. أما الشفاء فهو في اللامبالاة.

- تدرين متى يبدأ شفاء الرجل من امرأة بالذات؟ عندما تُرفع غشاوة الحب عن عينيه، ويبدأ في النظر إلى النساء الأخريات كاحتمال مشروع حب أو مغامرة ما.. فجأة يكتشف أن العالم مليء بالنساء وهي مرحلة قد يأخذ بلوغها وقتاً، لأن حماقة الحب تجعله يتوهم أن لا امرأة على وجه الأرض سوى تلك التي أحب.. إلى أن يستيقظ.

- تعني يستيقظ الرجل الخائن فيه الذي كان في غفوة ليس أكثر!

- في حياة كل رجل حُبّ كبير أخلص له كثيراً، ثم خانه الحب أو خانته الظروف، فتعلّم مع العمر الخيانة. ما من رجل إلا وكان وفيّاً يوماً ما، وما من رجل إلاّ وهزمته شهوته واستسلم لها يوماً، ومع الوقت لم يعد يشعر بالذنب، إنه يخون بجسده لا بقلبه، فهكذا تكوينه.

- الحقيقة أن هذا الموضوع أتعبني ولا أريد البحث فيه، التقيت رجالاً يُباهون كونهم طبيعيين أي خائنين، ولا يمكن أن يخلصوا سوى لجسدهم، وعرفت غيرهم رائعين أحبوا وأخلصوا بصدق وجنون، واستنجدوا بي لإنقاذ حبهم، وما استطعت. أحدهم شاب أردني، رجل أعمال ناجح وعاشق من زمن آخر، عاش قطيعة موجعة مع خطيبته، وعلى الرغم من إقامته معظم الوقت في أميركا كان يتصل بي ليحدثني عنها. خطط لمفاجآت كثيرة لإدهاشها.. منها أنه لعلمه بحبها الكبير لي، طلب مني في عيد ميلادها أن أهاتفها على الحادية عشرة ليلاً، وأطلب منها أن تخرج عند الباب، وأن أبقى على الخط لأنقل له رد فعلها أمام المفاجأة، وذُهلت البنت ولم تصدّق أن أكون أنا من يُهاتفها ليلاً. كان قد رفع مقابلاً لبيتها لافتة تتمنّى لها عيد ميلاد سعيداً، بينما كانت الأسهم النارية تطلق حال خروجها..

- ثمّ؟

- ثمّ لم يُجدِ ذلك. كانت الفتاة سعيدة بسماعي، ولكنها لم تعد إليه. قلت له مواسية: «لن يحبها رجل كما فعلت وفي هذا عزاؤك.. ثق بأنك ستحبّ سواها وتسعد» وهو ما حدث. لقد تعلّم من صدّها أن يفتح عينيه على غيرها.

علّق مازحاً: «إنه تماماً ما كنت أقوله لك.. لا تُنسيك امرأة إلا امرأة أخرى!».

قلت: «هذا ينطبق على النساء أيضاً.. فلا تُشفَى امرأة من الماضي إلّا بفتح قلبها لحب جديد.. ولا وصفة للنسيان إلّا هذه»!

وللحديث بقية..